من أجمل وأطول الرحلات التي يقوم بها الإنسان، هي التي يذهب فيها بحثا عن ذاته، وعن أغوارها السحيقة، ذلك من أجل الوصول لحقيقة ما قد يكون مازال يجهلها او لم يكتشفها بعد، فما اكثرهم اولئك الاشخاص الذين أصروا على أن يأخذوا على عاتقهم ويتزودوا بجميع وسائل البحث والاستكشاف الدقيقة بشتى اشكالها، كي يكونوا مستعدين بأتم معنى الكلمة لرحلة البحث تلك، وكي يسخروا وقتهم ايضا من خلالها لما يحتاجونه من ذواتهم، وكما قال عبدالكريم بكار: الجهل بالذات من أسوأ أنواع الجهل، والبحث عنها عمل من أنبل الأعمال وأنفعها.
كما انها القوة التي ستحررك من داخلك، لتدمير جميع حواجزك التي تخفي وراءها كل الصراعات والذكريات والغرائز التي لا تتجرأ النفس على مقدرة الافصاح عنها فتكبتها، فتنقلب احيانا رأسا على عقب وتكون منبعا للشر والكراهية يدفع الانسان للانقياد وراء الرغبات اللامقبولة في بيئتنا او محيطنا.
فلذلك الهدف الأساسي من هذه الرحلة ايضا هو ليس البحث للوصول إلى حقيقة ما ترشدنا لذواتنا بصورة اوضح فقط، بل انما لمعرفتها ولمعرفة كيفية التعامل معها وبطريقة موضوعية من اجل تفهم هذه الحقيقة مع تلك الدوافع التي تقف وراءها ومعالجتها بما يفيد وينفع، لنتوصل إلى كل ما كنا نجهله ولا نعرفه عن أنفسنا، وكل ما نضعه خلف أسوارنا اللاشعورية ونخفيه عنا وعن اقرب الناس لنا، ذلك ولنطرحه أمام أعيننا، ولنتفحصه ونعمل ونجتهد بقوة ارادتنا على ان نستخرجه من عقولنا.
فكلما كان الصراع أصعب، كما قال سوامي سيفاناندا، كان النصر أكثر مجدا، فتحقيق الذات يتطلب صراعا في غاية العظمة.
فإن اردت او قررت في يوم من الايام ان تسلك تلك الرحلة، اسلكها دون ان تضيق عليك دائرة بحثك، واستعن بكل المصادر التي تستطيع من خلالها ان تصل لتلك المعرفة، هذا وعليك ألا تنسى ان من البديهي جدا أن هناك أشياء نعلمها عن أنفسنا ولا يعلمها الآخرون عنا والعكس، واشياء لا نعلمها نحن ولا حتى الآخرون، اشياء من المفترض ان نسعى لاكتشافها حتى ندرك يقينا من نحن ومن نكون؟! وخذ في عين الاعتبار أنك قد تجد من خلال رحلة بحثك ما يتصف بالسلبية والاحباط في نفسك، فلا تستغرب وكن واثقا بأنها ما وجدت إلا بسبب معين في حياتك، فإن رأيت مالا ترضى عنه، لا ترفع شعار الاستسلام واليأس! فأنت لم تخض هذه الرحلة الطويلة لتصل لنتائج غير مرضية بل على العكس، انت خضتها لتكتشف وتعرف وتتعلم وتصحح.
فهي رحلة من الرحلات التي تعتبر من اهم مجالات المعرفة التي ينبغي على الإنسان ألا يستخف بها، رحلة تحقق المعنى والإصلاح الذاتي، والذي يفترض ان ينبع من الداخل اولا.