هناك الكثير من البشر من يتصور ان في نفسه قصورا ما أو عجزا أو نقصا يمنعه من إنجاز مهماته لتحقيق أهدافه ونجاحاته، وكأن أولئك أصحاب الانجازات والمهمات ليسوا ببشر مثله، خاصة وان نظر إلى مبتكر أو مخترع، أو إلى خطيب بارع أو عالم، أو إلى طالب متفوق متميز أو إنسان فذّ وذكي، أو إلى مهندس أو مؤلف لامع أو كاتب محنك و... إلخ، إلا وسرعان ما قلل من شأنه وقلل من قيمته وقيمة نفسه، واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء، واستمر على ما هو عليه، في مكانه لا يتقدم إن لم يكن يتراجع.
ولا يعلم أن معظم هؤلاء قد راودتهم مثل هذه الأفكار، ونفس تلك المشاعر السلبية التي عادة ما تراوده، سواء نادرا أو بوتيرة متكررة، ولكن بإصرارهم تغلبوا عليها وبقوا رغم صعوبة ظروفهم متفائلين متشجعين مندفعين ومتوكلين بإذنه سبحانه ولن يستسلموا ابدا.
فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن نقول: «اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد»، فالإرادة القوية والمثابرة والاصرار والالتزام هي الضريبة التي لابد أن يدفعها كل سائر على درب هذه الحياة، لذلك على تلك الفئة من المثبطين للعزم، المحبطين للهمم، المتقاعسين، والذين هم لأنفسهم ولشأنهم مشككون ومقللون، بأن يقوموا وينفضوا غبار الأوهام ويرتدوا رداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق، وسيلحظون الفرق الكبير فيما بعد.
كما لا ننسى أيضا أنه مهما كانت نية الإنسان نقية، صافية وطيبة، فإنها لا تكفي وحدها حتى تتحقق معها أهدافه وما يسعى إليه، ولكن لابد بأن يكون ذا إرادة قوية وعزيمة ماضية، ليتحلى بالطاقة الإيمانية من خلال توكله الخالص على الله أولا وأخيرا ثم ينهض.
فاشدد يديك بحبل الله معتصما
فإنه الركن إن خانتك أركان
ثم يقوم بشحن طاقته العاطفية لما لها من اهمية كبيرة في ذلك ايضا، ويحسن علاقاته مع من حوله والا يصبح انانيا محبا لنفسه كل شيء دون غيره، كي لا يصاب فيما بعد بالمحدودية وضيق الادراك والخمول، والذي سينتقل إليه عندئذ كالمرض بلا شك، ولن يستطيع أن يتقدم حينها إلى الأمام خطوة واحدة.
بل حاول دائما أن تحب لغيرك ما تحب لنفسك، وقم بتحرير طاقتك السلبية كي لا تعمى بالغطرسة والكبرياء، لتخلق لديك فيما بعد طاقة قوية في أعماقك، طاقة تجعل منك إنسانا معطاء كريما سخيا مع كل من حولك.
وتأكد أن الإرادة القوية كالعضلة سواء بسواء، يمكن أن تنمى بالتدريب والمران وعادة الالتزام، او تكتسب بالتدرج والمثابرة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلت».
والفكرة العامة التي تنبني عليها تمرينات تقوية الإرادة هي أن تكره نفسك على فعل أشياء لا تحبها، بل هي ثقيلة عليها ومخالفة لهواها، ورويدا رويدا ستألفها، ولا تعود بعدها تجزع من ملاقاة العقبات والصعاب التي تواجهها، فالإرادة الحقيقية ماهي إلا تلك الشجاعة في مواجهة كل تلك العرقلات، والتي لابد أن يتخللها الصبر والذي هو بدوره يعني القدرة على حبس النفس على مكروهاتها والاشياء غير المستحبة لها.
فإن تحرم نفسك من شيء اعتادته أو تحبه، فإنك تستشعر بذلك أنك أكثر سيطرة على نفسك، وتلك من الوسائل الرائعة التي تجعلنا أكثر تحملا وسيطرة على انفسنا، ولنا في سير الأنبياء والصالحين والعظماء من ذوي الإرادة الحديدية قدوة، من شأنها شحذ الهمم وتقوية الإرادة بطريقة كبيرة جدا، ولذا فحري بك أن تتعمق في سير هؤلاء الأفذاذ اكثر وأن تتأسى بهم، حتى بلوغ الهدف بدون تقصير أو إخلال، فعلى كل من يريد أن يعلي همته، ويشحذ إرادته أن ينظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وإلى أصحاب الهمم العالية، ومن ثم يختار النموذج الذي يشعر بأنه يناسبه ليقتدي به في حياته.