عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، متفق عليه.
وهذه الموعظة منه صلى الله عليه وسلم تستوعب كثيرا من آداب الإسلام ومناهج الفضيلة فإن على المسلم أن ينزه لسانه من الأذية، فهناك الكثير من البعض يؤذي غيره ويشعر بعدها وكأنه لا يؤذيه، ذلك ومن خلال كلامه سواء عن طريق الهمز واللمز او بالكلام السيئ اللاذع الجارح، وأحيانا عن طريق المزاح الثقيل، إضافة إلى ذلك انه على المسلم انتقاء الكلمات الحسنة كما قال الله عز وجل: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) (الإسراء: 53)، وعلى من يؤذي الناس بسوء كلماته وهمزه ولمزه، ان يستحضر انه آثم وأن حسناته تنتقل لمن آذاه، كما على من تأذى ايضا ان يصبر ويتحمل وأن لا يكون متحسسا من أي كلمة يسمعها منهم، كما فعل انبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام فهم القدوة لغيرهم من البشر.
فإن ما تعانيه اليوم المجتمعات من بعض في تزايد اللغو والثرثرة الدنيوية وانحدار الفكر وكثرة المشاكل والمحن وتتابع الفتن، ما ذاك إلا بسبب فقد الحياء من الله سبحانه، فبتصرفاته تلك فهل هو استحيا من الله حق الحياء؟ الله الذي أنعم عليه بالصحة والمال والرخاء والأولاد والحياة الهانئة الرغيدة!
فهو للأسف لا يعرف لله قدرا بأن يشكر نعمه عليه حتى! ولن يستحي ليجيب دعوة صاحب الفضل عليه، كونه منشغلا يسب ويلعن، يغتاب، وينم بين الناس، ويسعى بينهم بأي نوع من أنواع الشر والفتنة والفساد، فهو لم يكف لسانه عن أحد، وكف اللسان من أشد ما يكون على الإنسان، وهو من الأمور التي تصعب على المرء.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: «أفلا أخبرك بملاك ذلك كله؟»، قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: «كف عليك هذا»، قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! يعني هل نؤاخذ بالكلام؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال: على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم؟».
فقد أصبحنا نرى الكثير من الرجال والنساء وفي شتى مجالات عملهم، يجاهرون بكل وقاحة بإساءتهم إلى غيرهم من الناس وببجاحتهم ورذالتهم، وكأنهم يقابلون نعم الله سبحانه بمعصيته، فلا حياء منه سبحانه ولا حياء من خلقه ابدا!
دفقوا ماء الحياء من وجوههم، ضعاف نفوس وعديمو حياء ومروءة، فكم قتلوا من فضيلة!
وكم هتكوا من ستر، بزفارة لسانهم وبقلة أدبهم ودناءتهم وبخسة أنفسهم، وكأن الله جعلهم على غيرهم من البشر اربابا، فلم يستحوا من الله حق الحياء، فمن يعامل الناس بالفظاظة والغلظة والشتيمة والاستهزاء والسخرية، هم من أسوأ الناس خلقا عند البشر ورب البشر، منبوذين اجتماعيا، ولا قابلية عند الغير لهم.
يسيحون في الأرض ويؤذون الكثير بجرأة ألفاظهم،
وان نصح فضح، واذا نبه قابلك بالإساءة والتذمر!
فإن الذي حمل هؤلاء وغيرهم على النزول إلى هذه المستويات الهابطة من الأخلاق، هو ذهاب الحياء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»!