هناك صمت من عمق ثقله تشعر بأنه يضيق عليك أنفاسك، صمت لا تظن إنه أتاك ولو بعد حين عبثا، صمت قد يثقل كاهلك نوعا ما، لكن تأكد أنه لن يذهب سدى، فهو ما أتاك إلا حين حاصرتك الأيام الشداد والابتلاءات وشدة الصدمات، تلك التي أشعرتك أنها طوال ولا تكاد تمر بسلام!
لكنه ليس تعقيدا أبدا بالأخص حين يأتيك هذا الصمت من بعد الكثير من الأمور التي تتعلق بك، وتتعلق بعزة نفسك وكرامتك، والتي يجب بأن لا تهدر أو تدهس تحت أي مسمى من المسميات، ذلك ولأن عزة نفسك وكرامتك مليون خط أحمر يجب أن يوضع تحتها، لذلك يصبح الصمت في مثل تلك الأمور فضيلة وحكمة لا يعرفها الجميع، فضيلة وحكمة لا يعرفون حتى كيف يديرونها أو ينمونها، فللصمت قدرة صحية عجيبة، قدرة تمنحك طاقه قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولك، والتركيز بعقلانية عندما تعجز الجوارح عن التعبير والكلام، ليصبح هو المعبر الوحيد عن كل ما يؤلمك ويجرحك، كما سيعلمك في المقابل أيضا على ثقافة رائعة جدا، ثقافة قد نكون نحن جميعنا بأمس الحاجة لها وبالأخص في زمننا هذا، ألا وهي ثقافة التخلص والابتعاد، ثقافة من خلالها ستتعلم بأن تتخلص من كل شيء لا معنى له، تتخلص من زوائد أثقلت عاتقك، تتخلص من أصدقاء، أقارب، أصحاب سيئين، تافهين وسخيفين أتعبوك، تتخلص من مشاعر مؤذية، أو أشخاص لا يشكلون فرقا بوجودهم.
ثقافة من خلالها ستتعلم أيضا متى تبتعد عن كل من اغلق الباب في وجهك، وتتعلم بأن لا تطلب لمن استدار أن يلتفت لك، تبتعد ولا تفرض على احد وجودك، ولا تتحدث وتتناقش مع من لا يهتم بك أو يفهمك، ومهما كنت شخصا بسيطا، طيبا وعفويا، لكن لا تنسى أيضا بأنك عزيز نفسا، مدركا تماما لمكانتك وقيمتك، ولمن العبث أن تسكب نفسك وقيمتك الثمينة في ارض لا تتلهف لانسكابها.
كما عليك ان توقن يقينا تاما بأن ليس من المهم أن تعرف مكانتك ومن انت بالنسبة لهذا أو ذاك؟! وماذا تعني لأي شخص في هذه الدنيا مهما كان قدره كبيرا في قلبك، وليس مهما أيضا أن تعرف كيف تبدو مكانتك في قلبه وصورتك بالنسبة له أو حتى في ساحة خياله وتفكيره، ولكن الأهم فعلا هو أن تعرف أنك تستحق أن تكون العنوان الأساسي لكل علاقة، وليس بأن تصبح شخصا هامشيا لكل بداية ونهاية. فعزتنا وكرامتنا هي كل شيء عندنا، فإن أزعجتكم دقتنا في اصطياد تجاهلكم وتهميشكم لنا، فسنرحل واحترموا آنذاك اختلافنا. فكثيرا ما كنا بالسابق نكلف قلوبنا بلا خوف عليها، ونكلف تفكيرنا بأفكار يبدو أنها صحيحة فقط لكي نقتنع بوجودكم، ونقنع قلوبنا بأنكم الأفضل بالرغم من إنكم الأسوأ بكثير من غيركم، ذلك فقط لنرضي انفسنا بكم، رغم عيوبكم الباذخة، وتصرفاتكم الوقحة والواضحة. ولكن بعد تفكيرنا العميق أيقنا بأننا في الواقع لسنا بملزمين أو مكلفين بتغيير أحدكم أبدا، ولا حتى مجبرين على تحملكم أيضا، لكن من حقنا أن نحافظ على صدق مشاعرنا بعيدين عنكم، وأن نحتفظ بقلوبنا لمن يستحقها.
فتعلم دائما بأن تكتفي بصمتك نحو الخوض في علاقات ليست أزلية، واجعل من كيانك حرا، واجعل من قلبك حرا، ذلك ولأن وحدهم الأحرار هم فقط الذين لا ترعبهم فكرة الرحيل ولا يهز كيانهم الاستغناء.