لا تجزع وتغضب وتتذمر من الرحمن سبحانه فقط من أجل فقدك للذة ما من ملذات الدنيا وأنت تعلم علم اليقين أن هذه الدنيا دار ابتلاء واختبار! وكل ما في هذه الدنيا من نعم، ومتاع، وزخارف، وشهوات: لا شيء بالنسبة لنعيم الآخرة.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط».
ثم إن عظم الجزاء والثواب مع عظم البلاء، ولو يعلم الإنسان ما له من ثواب وجزاء في حال صبره على البلاء، لم يجزع أبدا.
فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض» رواه الترمذي.
هذا، وبخلاف أن الله سبحانه إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، ويقدر الله تعالى الابتلاءات على المسلم لحكم كثيرة، ومصالح عظيمة، لا يعلمها سواه سبحانه، والمسلم جنته في صدره، بإيمانه، وتقواه، ويقينه بالله، كما أن الإنسان أيضا يستطيع أن يجد السعادة ولو كان مكبلا بأمراض الدنيا كلها، فلا نعيم يعدل نعيم الإيمان بالله، والرضا بقضائه.
فوقوع البلاء على المخلوقين من السنن الكونية واختبارا لهم ولصبرهم، وتمحيصا لذنوبهم، وتمييزا بين الصادق والكاذب منهم، قال الله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين).
وإن لأكمل الناس إيمانا أشدهم ابتلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة». أخرجه الإمام أحمد.
فاعلم أن الله تعالى يحبك، لا كما يتصور البعض أن الله إذا ابتلاك، فمعنى ذلك أنك غير مستقيم، أو أنك ظلمت الناس وأكلت حقوقهم.. إلخ، بل على العكس تماما، إذا أحبك الله ابتلاك، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب الله قوما ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع».
وأحيانا يبتليك، لأنه يريد أن يسمع صوتك وشكواك، فلربما شغلتك الدنيا عن الدعاء، وعن الصلاة وتلاوة القرآن، فيبتليك لترجع إليه ولتكثر من دعائه وشكره وحمده وذكره، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يقول للملائكة: انطلقوا إلى عبدي، فصبوا عليه البلاء صبا، فيحمد الله، فيرجعون فيقولون: يا ربنا، صببنا عليه البلاء صبا كما أمرتنا، فيقول: ارجعوا، فإني أحب أن أسمع صوته».
أو لعل لك عند الله تعالى منزلة لا تبلغها بعملك، فلا يزال الله تعالى يبتليك بحكمته بما تكره، ويصبرك على ما ابتلاك به، حتى تبلغ تلك المنزلة، فلا تيأس، ولا تجزع، وكن صابرا محتسبا، وتذكر ما قاله أحد السلف: «لولا مصائب الدنيا، لوردنا القيامة مفاليس».