ولأننا في زمن أصبحت فيه معظم الأشياء رخيصة!
أشياء بلا مبدأ، بلا قيمة، بلا مفاهيم، أشياء صارت للأسف تحمل معنى آخر لها، إذ إن الكذب أصبح مجاملة، والنفاق والرياء شطارة، والتلون وتغيير المواقف والمبادئ كل يوم براغماتية، والسكوت على الإساءة والجور مسالمة وتكتيكا، ومصاحبة الخبيث ملاطفة، والوقوف بجانب خسيس الطبع تملقا ومداهنة، لذلك بقت وحدها كلمة الحق عزيزة وغالية الثمن، نعم غالية الثمن لدرجة ان الكثيرين صاروا يخشون أن يدفعوا ثمنها ويستحون منها إن لمعت في تفكيرهم لأنها تعايرهم بجبنهم وتذكرهم بضعفهم وخوفهم وتناقضهم، فكم مرة ومرة رأى شخص في محيطه ظلما ونكرانا وتعسفا وإجحافا بحق الآخرين ولم يجرؤ على الكلام، وكم مرة ومرة سمع شخص في محيطه عما لا يجب السكوت عليه بحق الآخرين، إلا وان وجدته في المقابل طأطأ برأسه فقط ومضى في سبيله وكأن شيئا لم يكن!
ألا يذكر بعضنا أنه سكت في يوم ما عن كلمة حق لو قالها لرد ظلما عن مستضعف، أو حفظ حقا لصاحبه، أو كف ألسن الآخرين عن تلويث سمعة وتشويه صورة غائب لا ذنب له؟ ألا يذكر أبدا؟! وكل ذلك للأسف لماذا؟! فقط من أجل استرضاء الآخرين وخوفا على مشاعرهم وذلك على حساب مشاعر غيرهم، وكي لا يقومون بإثارة واستفزاز الأصحاب، الأصدقاء والمقربين لهم!
لذلك اصبحنا لا نستغرب بتاتا أن دفعت كلمة الحق بصاحبها إلى زاوية صعبة، وصعبة جدا، ولكن لن ننسى في المقابل ان بعدم قولها أيضا ستضعه في مواجهة مع نفسه ومع التزامه الأخلاقي، واحترامه لذاته، كما انها ستجره إلى دائرة من السلبية والتناقض مثلما جرت الكثيرين غيره.
فلا نعرف صراحة هل تغير الإنسان أم تغير الزمان؟!
وفي أي الدروب تاهت كلمة الحق، وهل مازالت تستحق ثمنها؟! تساؤلات كثيرة تراودنا وفعلا حيرتنا!
فهناك بعض الأشخاص بمجرد ما أن ينطقوا بها، إلا وسرعان ما ساءت علاقتهم بالكثيرين، وفجأة يجدون انفسهم في موقف صعب في مواجهة الآخرين! ولكن ليتهم لا يتراجعون وان حدث ما حدث، ويبقون على موقفهم ثابتين.
فإنهم لا يعلمون للأسف بأن قول كلمة الحق مهما كانت وطأتها على الآخرين، إلا انها ستكسبهم في المقابل صداقات وأشخاص حقيقيين، اشخاصا بمعنى الكلمة فعلا، أشخاصا أنقياء وذوي إيمان حقيقي، أشخاصا غير متزلفين ومنافقين، بخلاف أولئك الذين يخشون على انفسهم ومكانتهم وقيمتهم لدى البعض، لذلك دائما ما تجدهم يمتنعون عن قول كلمة الحق في الآخرين، هذا وبخلاف ان كلمة الحق تلك، وان قد ستحرمهم من أشياء كثيرة وستبعدهم عن المتلونين، المخادعين، الذين يظهرون خلاف ما يخفون، إلا أنها ستشعرهم بطبيعة الإنسان النقية التي تعلو غرائزه وستحافظ على فطرتهم والتي من المفترض ان تكون طاهرة منزوعة عن الشوائب العالقة والرواسب الزائفة، وهذا بحد ذاته يعتبر مكسبا كبيرا لهم.