بصورة غير مسبوقة لم نعتدها أبدا من ذي قبل، بدأت الشبهات وآفة المخدرات تنخر في مجتمعنا وتنتشر فيه كانتشار النار في الهشيم، وصارت ظاهرة مقلقة جدا بل مخيفة، حيث إنها أصبحت لا تقتصر على شريحة معينة كما عهدنا في السابق، إذ كانت تلك الشريحة هي الأكثر عرضة للدخول في هذا العالم المدمر، والتي غالبا ما يعاني معظمها من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والظروف القاسية.
بل أصبح الولوج إليها الآن متاحا للجميع وبظروف مهيأة وسهلة، لاسيما تلك المخدرات المصنعة كيميائيا والتي تعد خطرة جدا على متعاطيها والتي انتشرت بين شبابنا بأسماء عدة وبأشكال وأنواع مختلفة.
ما جعل مجتمعنا يواجه أخطر المشكلات الإنسانية وأصعبها، مشكلات تهدد أمنه وأمانه واستقراره، وتشكل عبئا ثقيلا ومتزايدا عليه، حيث تأتي تلك المخدرات على رأس قائمة الشرور التي تقف عائقا أمام سياسة التنمية والتحديث والإصلاح، هذا ولم تعد جرائم المخدرات مقصورة على الرجال والشباب فقط، بل أصبحنا نلاحظ تورط النساء وحتى الفتيات فيها بصورة اكبر للأسف!
فما المخدرات إلا وليدة خلل يصيب نظم المجتمع، فالتاجر والمهرب والموزع يرغب كل منهم في تحقيق غايته الدنيئة الفاسدة إلى جانب تعطشهم لتحقيق الثراء السريع الفاحش! وعلى حساب من؟! على حساب أولئك الضائعين من الشباب والشابات الضعفاء والمهمشين، خصوصا من يعيش في أوضاع إنسانية غير مستقرة، أولئك الذين يريدون الهروب من الواقع المعيش إلى العالم الغيبي والانغماس فيه، الذين تم استغلالهم من قبل تجار المخدرات وجرهم بسهولة إلى نفق مظلم لا يستطيعون أن يميزوا فيه طريقهم من الطرق الأخرى، ما منعهم من التفكير السوي وسمح لهم بارتكاب السلوك المنحرف من دون وعي أو إدراك، فما هم إلا أشخاص غارقون في بلاء سيئ في النفس، بلاء أشد فتكا من الكحول وغيره، لذلك هم في المقابل يحتاجون إلى الرعاية الخاصة بهم أيضا، بالأخص بعد ما آلوا إليه من سوء، فقد أصبحوا يعانون بسبب تلك المخدرات من تلك النوبات التوترية الرمعية المعممة، والتي ينتج عنها تغير الحالة المزاجية أو نسيان الأفكار أو المشاعر التي تسبب الضغط النفسي على المدمن نفسه، ويرجع سبب لجوئهم إلى هذا الطريق إلى أسباب كثيرة منها جهلهم بأخطار استعمال تلك المواد المخدرة، ضعف الوازع الديني، التنشئة غير السليمة، الإهمال والتفكك الأسري، عدم تلقي النصح والإرشاد وفقد الرقابة والتوجيه، الفراغ والبطالة والتهرب من تحمل المسؤولية واللامبالاة، مصاحبة رفاق السوء بلا حسيب ولا رقيب.. إلخ، إلى أن صار الإدمان خطرا شنيعا يهدد حياة الآخرين وحياتهم.
لذلك أصبحت جرائم القتل والسلوك العدواني تزداد وبصورة كبيرة في الآونة الأخيرة في مجتمعنا الكويتي، ما يستوجب ضرورة التحرك العاجل لدراسة الأسباب ووضع الحلول اللازمة لهذه الآفة المدمرة، والتي كثيرا ما أشعرتنا وكأن الكويت أصبحت دولة مستهدفة من مافيا جلب وتهريب هذه المواد المخدرة أكثر من أي وقت مضى.
وما يوجب على الجهات المسؤولة أيضا استئصاله ومحاولة السيطرة عليه، فإنه مازال موجودا يبحث عن عقول الشباب والشابات ليدمرها ويقضي عليها، ليصبح شباب مجتمعي غير منتج ولا نافع ولا أمل فيه، كون الشباب هم العنصر الأساسي لتقدم المجتمع وعجلة التنمية، وهم القوة الإيجابية لدفع تلك العجلة ذلك عند تزويدهم بالمعرفة والفرص التي يحتاجون إليها، وهم سر التقدم وأساس بناء النهضة وعمادها.
كما لا ننسى أيضا أن يد «الداخلية» لا تصفق وحدها، فهي تقوم بدورها، ولكن مواجهة هذا الخطر الداهم تتطلب خطة متكاملة بمشاركة جميع جهات الدولة، هذا بخلاف اقترانه بالقدوة الحسنة من قبل الآباء والأمهات لما لهم من دور كبير في تربية أبنائهم ومتابعتهم وإدراك احتياجاتهم.