لو أتينا للواقع، فإن كل الأشخاص والأشياء من حولنا، لو تأملنا كل شيء فيها بالتفصيل، لوجدنا أن كل ما نحبه يحتوي دائما على الإيجابيات التي تهمنا وتجذبنا، وكل ما نكرهه يحتوي على ما نراه سلبيا ولا يحرك ساكنا بنا.
وسبب اختلاف أذواقنا ونظراتنا للناس هو اختلاف هذه المعايير لدى كل منا، فهذه المعايير تتشكل بناء على مبادئنا وخبراتنا واعتقاداتنا وتجاربنا وجميع ما مررنا به، فالحسن بالنسبة لي قد يكون قبيحا بالنسبة لغيري، والمهم عندي أقل أهمية عند غيري.
فلعل اثنين يتفقان في أن هذه الأمور قبيحة وتلك حسنة، ولكن كل واحد منهما لديه تقييم مختلف لمدى الأهمية، فإن نظرنا لإنسان كريم كاذب، فقد يحبه شخص ما لأنه يرى بأن الكرم أهم من الكذب فيغطي عليه، وفي المقابل قد لا يتقبله شخص آخر لأنه يرى أن الكذب عنده أشد أهمية من الكرم! وهكذا.
وكذا الأمر ينطبق بنفس الطريقة على كل ما يتعلق في حياتنا، فإن دققنا في أي شيء نحبه أو نكرهه، ودققنا في تفاصيله الصغيرة، لوجدنا أن سبب حالتنا العاطفية تجاه أي شيء هو تفاعلنا مع التفاصيل الدقيقة المكونة له، لذلك العواطف أحيانا يصعب عقلنتها، كونها أمرا مستقلا تماما عن العقل، ولكن في المقابل أيضا العواطف والعقل مرتبطان ارتباطا وثيقا ببعضهما، فالعاطفة ما هي إلا نتيجة لتلك التفاصيل الصغيرة التي يدركها عقلنا الباطن.
ما يدفعك هذا للتدبر والتفكير بذلك الارتباط الوثيق!
أي أنه يمكننا التحكم بعواطفنا بعقلانية، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: «لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي»، فقال له: «والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر بعدها: «فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي»، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«الآن يا عمر!».
فعمر هنا حين أخبره الرسول أنه عليه أن يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه، راجع نفسه، وراجع أفكاره ومشاعره وأعاد ترتيب الأولويات لديه، أي أن الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.
وقد استطاع سيدنا عمر أن يغير ذلك في نفسه، فهذا دليل على أن الشخص يمكنه التحكم في مشاعره، على عكس ما يتم تداوله بيننا وبشكل دائم بأننا لا نستطيع التحكم بمشاعرنا!
فيستسلم بعضنا لهذه الحتمية الوهمية فيبقى أسيرا لهذه العواطف وما يترتب عليها من حزن طيلة حياته!
فأنا أعلم علم اليقين بأن هذا الأمر قد يكون صعبا نوعا ما، ويحتاج إلى مستوى عال من العقلانية والتجرد، لذلك فلربما يكون أسهل على الأشخاص العقلانيين منه على الأشخاص العاطفيين، ولكن لو استطعنا تطبيقه، فإنه ربما سيسهل علينا الكثير في حياتنا، وسيعالج الكثير من مشاكلنا.