يقول الشاعر:
لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا
فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا
ولا تعب أحدا منهم بما فيكا
فلو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الآخرين، ذلك ولأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا، كونه سيسأل عنها قبل غيره، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (كل نفس بما كسبت رهينة)، فإن الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة والنميمة، وقد عرفنا ما في الغيبة والنميمة من إثم ومساوئ يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل، كما أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي أحيانا كثيرة إلى شيوع العداوة والبغضاء فيما بينهم، فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه، وربما تكلموا فيه بالباطل!
بخلاف لو اتصف بالعقلانية والحكمة، لأصبح مشغولا بنفسه عن غيره، ولارتاحت له النفوس، وفتحت له القلوب على سبعة أبواب، ولأصبح بسيطا وودودا ومحبوبا من الناس، وجزاه الله تعالى بجنس عمله، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه، أما من كان متتبعا عيوب الآخرين متحدثا بها مشنعا عليهم، فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم وكرههم له، وسيكون جزاؤه من جنس عمله أيضا.
يقول الشاعر:
المرء إن كان عاقلا ورعا
أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله
عن وجع الناس كلهم وجعه
فقد سمع أعرابي رجلا يقع في الناس، فقال: «قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس، لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها»، كما قال الشيخ محمد بن إسماعيل: «والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جدا تجده دائما يضخم عيوب الآخرين»، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن فيهم، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير، لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائما ما يحاول تحطيمهم، ويذكر عيوبهم وأخطاءهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة جدا، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير ناقص، فلذلك ينشغل بعيوبهم، يقول عون بن عبدالله، رحمه الله: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه.
وإذا رجعت إلى السلف الصالح عليهم السلام لوجدت منهم في هذا الباب عجبا، إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم، بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب، كما قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول:
«إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله»، وبالإضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
فليتنا لا ننشغل بعيوب الآخرين ناسين أنفسنا، متناسين أمورا مهمة أولها أنهم بشر مثلنا، وأنهم يصيبون ويخطئون، ثانيا: أننا بشر مثلهم أيضا، ملئنا عيوبا لولا ستر الله سبحانه علينا.