أن تولد وتعيش في وسط بيئة كبيرة كاملة متكاملة تعج بالألفة والمحبة والبساطة والتواضع والاخلاص والمودة، وتحيطك بخليط من المشاعر الإيجابية والتي تتنوع ما بين الحب والعطف والحنان والتضحية والإيثار، وان يكون أفراد تلك البيئة متماسكين مترابطين على قلب واحد متلاحمين، كفكرة أن يكون احدهم مصدر الأمان لك، أو عونك الدائم من بعد الباري سبحانه الذي تلجأ إليه عندما لا تجد أحدا يفهمك، أو ان يشاركك ببعض الأمور الخاصة بك ليسعدك ويبهجك، يحبك ويسأل عنك، او يحتويك وقت ضعفك ومحنتك.. إلخ، تأكد أنها لنعمة عظيمة من نعم السماء عليك.
على عكس لو كنت تعيش في وسط بيئة تفيض بالبغض والكره والكذب والحسد والأنانية، ستنعكس بالسلب عليك وعلى نفسيتك، وستقلب رأسا على عقب حياتك، ما يجعلني اتساءل كثيرا بيني وبين نفسي، فأقول: إلى متى ستبقى مثل تلك البيئات التي اعتاد ان يعتاش افرادها على نفايات فكرية مليئة بالحقد والكره والأنانية، بخلاف تمتعهم بقدرات خارقة في الكذب والتصنع والنفاق مستمرة؟ إلى متى كثرة الافتراءات وتشويه سمعة الغير؟ إلى متى سيبقون على هذا الخط نفسه لا يريدون ان يغيروه او يستغنوا عنه؟! إلى متى؟! فكم حذر إسلامنا الحنيف من هذا الحقد والحسد والإساءة لسمعة المسلم وتشويهها أمام الآخرين، واعتبرها من ذميم الأفعال المنهي عنها، والتي تعتبر من الكبائر لما فيها من تفكيك وتقطيع لأواصر المحبة والمودة، ونشر للكره والبغضاء، لذلك حرم الله جميع تلك الأفعال التي تؤدي إلى تشويه سمعة المسلم، ورتب عليها عقوبات كثيرة، ونهانا سبحانه عن الاستغابة ونفر النفس منها بتصويرها بأقبح الصور، قال تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم).
وهؤلاء مع الأسف دائما ما تجدهم لا يصغون إلى الغير بل هم منمطون، ومتشبثون بآرائهم وأنانيتهم، يحضرون طبخة من أسوأ العبارات والأفكار البالية ثم يسكبونها أمام الآخرين دون الحاجة، فالأصل في الإسلام أن تقوم العلاقات بين أفراده على مبدأ الإخاء والمحبة والمودة لا العكس،
قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه»، فإلى متى؟!
فأنا على يقين تام بأن تلك الفئة البائسة ان لم يستطيعوا ان يصلوا إلى مستوى شخص ما، سرعان ما تملأهم الغيرة ويملأهم الحسد فيشتاطون، ويعملون على سموم ألسنتهم القذرة ويجعلون من «الغضب والكراهية والحقد والغرور» جحيما يأخذك من سلامك وأمانك وحقيقتك ليرمي بك في بركان شرهم وأنانيتهم، كمثل شخص حاقد فاسق أناني يطعن البشر في سمعتهم وهو يتمنى أن يكون مثلهم لكنه عجز، لذلك قيل ان الانانية كريح الصحراء تجفف كل شيء، أو كمثل شخص لا يصدق كلامك ويستهزئ بك أو ينظر إليك بنظرة استحقار واستعلاء، تيقن حينها أنه شخص يشعر بالنقص كاره الأرض التي يمشي عليها، ذلك ولأنك انت تملك سمات شخصية رائعة ومقومات راقية لا يملكها هو ويفتقر إليها، لذلك يسعى للاستخفاف بك، ولذلك قيل أيضا: حب الذات لدى المجانين يعذر حب الذات لدى ذوي العقول.
فكم مسكين ذلك الانسان الذي يظن أن الكره يجعله أقوى، وأن الحقد يجعله أذكى، وأن الانانية والحسد والجفاء هي ما تجعله إنسانا ذا هيبة محترما، لأن ما هذا إلا ضعف في الإيمان وعدم الرضا بقضاء الله سبحانه لا العكس، يقول الحق تبارك وتعالى (أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم).
وسلاما لمن لا يعرفون الكره والحقد والأنانية والحسد، ويلتمسون العذر لغيرهم دائما، سلاما لمن مهما صعبت عليهم الحياة تبقى قلوبهم نقية طاهرة ولا يفقدون إيمانهم وتصبح ثقتهم بالله أقوى من أي شيء آخر، سلاما وألف سلام.