يقال: إن الشائعات تؤثر على عقلية المجتمع بشكل مباشر مما يؤثر على نفسياتهم وبخطوات بطيئة وثابتة حيث يصاب الأفراد بنوع من الإحباط.
وكما يقال ايضا: ان الشائعات ألغام معنوية، وقنابل نفسية، ورصاصات طائشة، تصيب أصحابها في مقتل، وتفعل في عرضها ما لا يفعله العدو بمخابراته وطابوره الخامس، فنعم تعتبر الشائعات من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة للمجتمعات والأشخاص بل وقد تكون معول هدم بالنسبة لنا بشكل عام من الداخل أو الخارج.
لذلك احذر كل الحذر من أن تكون أنت الانطلاقة لكل شائعة، واحذر من أن تكون مروجا لها، ولا تستعجل في تقبل الإشاعة من دون استفهام أو اعتراض وتيقن، واحذر من ترديد الإشاعة لأن في ترديدها زيادة لانتشارها مع إضفاء بعض، بل الكثير من الكذب عليها، وكما قيل في المثل الروسي: «الكذبة كرة ثلجية تكبر كلما دحرجتها».
ولطالما كان انتشار الشائعات، بوابة لظهور شخصيات غير موثوقة يقومون بتوظيفها لخدمة مصالحهم الضيقة، دون أدنى معرفة أو علم بالشيء الذي يتحدثون عنه، كما يعمل هؤلاء الاشخاص من خلال إثارة الشائعات المغلوطة على إثارة البلبلة حتى على الصعيد المجتمعي، مما يؤدي إلى انقسام المجتمع والتأثير عليه سلبا.
وبالفعل إن سلبيات الشائعات كثيرة لا تعد ولا تحصى، وتخلق مشكلات استنادا إلى الوهم والتهويل بسبب تعدد الخيارات غير الواقعية، ودائما عندما تتعدد الخيارات في اللامعقول يضيع الخيار الصحيح، وبالأخص في عالمنا المعاصر الذي يشهد تطورا تقنيا في وسائل التواصل الاجتماعي، فلقد أصبحت الإشاعة أكثر رواجا وأبلغ تأثيرا، فكم دمرت هذه الشائعات من مجتمعات وهدمت من أسر، وفرقت بين أحبة، وكم أهدرت من أموال ايضا، وضيعت من أوقات، وكم أحزنت قلوبا، وأولعت أفئدة، وأورثت حسرة، وكم أقلقت من أبرياء، وكم حطمت من عظماء وأشعلت نار الفتنة بين الأصفياء، وكم نالت من علماء، وهدمت من وشائج، وتسببت في جرائم! وكم أثارت من فتن وبلايا، وأشعلت حروبا ورزايا!، لأن حاقدا حاسدا ضخمها ونفخ فيها ومن ثم اطلقها وصدقها الأغبياء الذين لا يستخدمون عقولهم، ومطلقوا الشائعات اشخاص سماهم القرآن «مرجفين»، والإرجاف في اللغة: الاضطراب الشديد، لأنه ينشأ عنه اضطراب بين الناس، والإرجاف حرام، وتركه واجب، لما فيه من الإضرار. فحين بلغ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن هناك أناسا من المنافقين يثبطون الناس عنه في غزوة تبوك، بعث إليهم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه، وأمرهم أن يحرقوا عليهم البيت، ففعل طلحة ذلك. وهذا المسيح عليه السلام تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمه الصديقة: (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)، وهذا نوح يقال له: مجنون قال تعالى: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر)، ويوسف عليه السلام نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، قال تعالى: (كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)، كما لا ننسى شائعة فرعون التي اطلقها على سيدنا موسى عليه السلام حين قال: (إن هذا لساحر عليم)، وأما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد رميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغها، فرمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة عليه، ولعل من أشهرها قصة الإفك المبين، تلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وقد عد الإسلام ذلك سلوكا مرذولا، منافيا للأخلاق النبيلة والسجايا الكريمة والمثل العليا، فما الشائعة إلا نسف لتلك القيم ومعول هدم لهذه المثل! فليحافظ كل منا على دينه ووطنه وأمته، وليحافظ كل منا على حسناته، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.