يقول فكتور هوغو: الصادقون لا يعرفون التصنع، كلما همّوا بالتلون فضحهم بياض قلوبهم.
كما قال توماس سكوت أيضا: التصنع لا يزيد الشخص إلا قبحاً.
ولذلك، ما أنقى وما أجمل أولئك الأشخاص المرنين! الذين أينما حلوا وأينما جلسوا يأنسون ويؤنسون، يألفون ويؤلفون، ينبسطون مع من حولهم، لا تشعر أنهم غرباء، لا تحس بفوقية في سلوكهم، ولا انزواء في تصرفاتهم، يتصرفون على سجيتهم في أدب وتواضع، وفي المقابل هناك أناس تشعر أن حياتهم مصطنعة كلها تصنع وتكلف، وأمثال هؤلاء هم أبعد الناس عن كسب قلوب من حولهم، وقد نهى الشرع الحنيف عن التكلف والتصنع وإظهار الإنسان وجها آخر غير حقيقته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهينا عن التكلف)، وقال الله تعالى: (قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)، كما قال السعدي: أن أدعي أمراً ليس لي، وأقفو ما ليس لي به علم، لا أتبع إلا ما يوحى إلي.
فلا تكن شخصا متصنعا، متكلفا فأنت بشر تصيب وتخطئ، تحب وتكره، تمرض وتشفى، تقوى وتضعف، بل كن دوما على سجيتك، وكف عن تقمص الأدوار التي تبدو بها للآخرين، وكأنك آت من عالم آخر، كمالك في كونك أنت لا غيرك، والطبيعة الحقة أن تتصرف بجبلة طبيعية عفوية دون أن تظهر للآخرين أنك مميز، أو تختلف عنهم، ولا تحاول أن تصنع لك أكثر من شخصية! من أجل جلب انتباه الآخرين واهتماماتهم، فهل أضحينا ممثلين!؟ فعن أنس رضي الله عنه: أن رجلا من أهل البادية كان اسمه زاهرا، يهدي النبي صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، فيجهزه النبي عليه السلام إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زاهرا باديتنا، ونحن حاضروه، وكان رسول الله يحبه، وكان رجلا دميما، فأتاه رسول الله وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرجل، فقال: أرسلني، من هذا؟ فالتفت، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذا والله تجدني كاسدا، فقال رسول الله ولكنك -عند الله- لست بكاسد، أنك عند الله غال.
وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» متفق عليه.
وقال النووي رحمه الله تعالى: المتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها هنا أنه يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة، ولابس ثوبي زور أي: ذي زور وهو الذي يزور على الناس بأن يتزيّا بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة.
فلماذا لا تكن إنسانا عفويا؟ من دون أن تسدي لنفسك مزيداً من التصنع، والتكلف، والزيف الذي سيذوب سريعا، الناس دائما تميل إلى الذي يكون قريبا من أرواحهم، حكاياتهم، مآسيهم، يتسامر معهم يشاركهم ضحكاتهم.
فمن سمات الصالحين أنهم لا يقولون ولا يفعلون ولا يتصفون بشيء ليس له حقيقة راسخة في قلوبهم، هذا وبخلاف أن لا شيء يدوم على حاله، فاكسب قلوب الناس ولا تجعل من مثاليتك المصطنعة حاجزا مانعا عن تعاملك معهم بشكل طبيعي، وكن على قناعة أنك لن تصنع منك قدوة للآخرين والتسلل إلى قلوبهم، ما لم تنزل لمستواهم، وتتساوى معهم بروحك، وقلبك وأسلوبك، قال الله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً..» أي: سكينة ووقارا، متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين.
وأخيرا، لنتذكر أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية وهو يعلم السر وأخفى (إنه عليم بذات الصدور)، وقد كان الصالحون يقولون ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية.