ضع نصب عينيك دائما أنك أنت فقط من يرى حقيقة عالمك، الناس لن يفهموك لأنهم لا يملكون كل الصورة، ولأنهم لا يعلمون حقيقة نواياك، لذلك كثيرا ما تجدهم يخذلونك أحيانا ويحبطونك دون أدنى مراعاة لمشاعرك.
الخذلان! تلك الكلمة المقيتة التي قتلت الكثيرين وهم لايزالون على قيد الحياة، وأنهت علاقات كانت مترابطة متينة لتجعلها منكسرة مهشمة بعد أن اندست بين أضلاعها، فقد تكون كائنا أسطوريا على ما أظن إن لم تخذل، فلو سألت أي إنسان على البسيطة عن أسوأ ما مر به لقال لك ببساطة «لقد خذلت، ومن أقرب الناس إلي».
وكثيرا ما نتساءل نحن، لماذا نخذل من أقرب الناس إلينا يا ترى؟ ونبحث عن الأسباب! وقد لا نجد مثالا لنضربه لأنفسنا هنا خيرا مما تجرعه خير البشر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى العظمة، إذ لا يخفى على أي منا مدى حب قومه له واحترامهم لشخصه كبشر، إلا أن حادثة نبوته قلبت كل الموازين ليصبح فجأة منبوذا لديهم، فقط لأنه أراد الخير لقومه لا لنفسه، فخذلوه وهاجموه وأصبحوا ضده. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره».
فهل يعقل أن تتغير نظرة الناس لنا لو أننا اخترنا لأنفسنا، أو أن الله ألهمنا فهم رسالتنا الحقيقية في هذه الحياة! فيقومون بكسرنا وخذلاننا؟! أو أن هذا الشيء يظهر لهم كشكل تهديد مباشر لمكانتهم، مركزهم، مقامهم، منزلتهم وهذا بفعل الغيرة والحسد الموجودة في غالبية البشر.
لذلك كان كبرياء قريش وخوفها على مكانتها هو ما منعها من اتباع محمد أو الاعتراف بنبوته فراحوا يعملون على تحطيمه وكسره بكل السبل وخذلانه، لكنهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، لذا عليك أن تتأكد بأنها ليست نهاية العالم أن يخذلك أحدهم إذن، فأنت لست الأول ولن تكون الأخير، فالخذلان اصبح وكأنه قانون كوني وضعه الله في طريقنا لنتقوى به.
فقف على رجليك ولتتشجع فالعالم لا يقف تحية للضعفاء ممن خذلوا، وليخذلونا إذن كما شاءوا فما دمنا لم نخذل أنفسنا، فنحن في الطريق الصحيح، إذ يمكننا أن نبدأ من جديد متى شئنا، فلنتخلّ عن إحباطاتنا التي نواجهها ولنبدأ برسم ملامح رحلتنا بعيدا عنهم.
ذاك عتبة بن ربيعة يقول في النبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوته له: «يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به». كلمات حكيمة من ألد أعداء الدين الإسلامي أيام كان فتيا، لكن إجابة قومه بكبريائهم الساخر وهم قائلون له: «سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه».
والآن لا يوجد عتبة آخر في زماننا ليقول فينا ذاك الكلام، لكن بإمكاننا أن نكون عتبة أنفسنا، لنحملها على الوقوف بعد الانكسار والخذلان، فإذا كان محمد صلى الله عليه وسلم وقد أخذ تلك الحصة الضخمة من الخذلان، فهل تنتظر أنت أو أنا ونحن أدنى منه منزلة أن نكون استثناء؟
ثق في نفسك وابتعد عمن خذلوك، فيمكنك أن تكون عظيما من أجل نفسك إن أردت النجاح، فلن يوقفك أحد، ويمكنك أن تتخطى ذلك الإحساس المر فقط لو لم تخذل انت نفسك، نعم لا تخذلها ولا تتخلّ عن أحلامك لأنهم لم يقفوا معك ولم يدعموك وقاموا بإحباطك!
ستأتي الفرصة لا محالة ولو بعد حين، لكنها لن تكون على طبق من ذهب، إذ إن السعي إليها ليس هينا وإلا لكان بلغها كل الناس ببساطة، عاقبهم بصنع مجدك من العدم، ولا تنس أنهم بشر يخطئون ويصيبون مثلك تماما، أنت تملك اليوم الابتعاد والعمل بالأسباب، والله يملك غدا الرزق والحساب.