كثيرا ما نتساءل، لماذا نعقّد أنفسنا؟ ونتناسى بشريتنا، لماذا نصعب الأمور ونبدو على غير حقيقتنا؟ لماذا يسكننا هاجس أن نبدو دوما مثاليين؟ فلقد اصبح معظم كلامنا مصطنعا، أصبحت خلافاتنا تغلفها الأنا الفردية، اصبح لباسنا طاغيا في شكله ومضمونه، فهل أضحينا ممسوخين يا ترى؟! يقال: إن البساطة.. تعطيك عمرا إضافيا وتمنحك شخصيتك الحقيقية، وتساعدك على أن تعيش كما أنت لا كما يريد الآخرون منك، البساطة تختصر لك الصداقات، والأقارب، والعلاقات، والأحباب، وحتى الكلام.. وكل مناشط الحياة، وتدخر لك منها الأجمل والأصفى والأعمق.
الرسمية والمجاملة ومجاراة رغبة الآخرين تقضي على العمر، وقد تصحو في نهاية عمرك على ساعات مهدرة وضائعة.
قال الله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) «الفرقان:63». قال ابن القيم: «أي: سكينة ووقارا، متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين»، وقد نهى الشرع الحنيف عن التكلف والتصنع وإظهار الإنسان وجها آخر غير حقيقته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهينا عن التكلف» رواه البخاري.
فالمثالية والتكلف في التعامل مع الناس يصنعان منا شخصيات مختلفة عنا تماما، شخصيات «وهمية مشمئزة ومشوهة»، لأننا نتصرف على غير طبيعتنا المعتادة، ونصاب بخيبات الأمل، وفقدان الذات، والانصهار داخل أنفسنا، حينها نصبح أكثر الناس سطحية، ونمطية، وتناقضا، لأننا نقوم بأداء الأدوار المصطنعة بشكل متكرر وفق تقاليد معينة.
نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب نكس رأسه، فقال: يا هذا ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا.
لا تبحث عن نفسك بين الآخرين، فهذا الجهل بعينه، فأنت من تملك ذاتك، وشخصيتك وأفكارك، ومبادئك، وقناعاتك، انت من تملك الاتجاهات كلها، فقط حدد المسار الصحيح وسر به وحدك، امضِ قدما وأنت تعي حقيقتك أكثر من غيرك، لا ترغم نفسك على الضحك وأنت لا تريد ذلك، ولا ترغم نفسك على البكاء وأنت تصطنع ذلك، ولا تكن غيرك وأنت لست أنت، الطبيعة الربانية، والجمال الحقيقي للشخص، هو عدم اجتزاء شخصيته وتوزيع أدوارها في مهام ليست من طبعه، لذلك تجنب التكلف، والمبالغة في أي شيء بالحياة، تجنب المجاملات التي لا طعم لها.
ارتدِ ثوب العفوية، حتى تبدو في أكثر حالاتك صدقا، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق، ركز على ما تملكه في داخلك من حقيقة غير مصطنعة حتى تشعر بالسعادة والتماهي بين قوام شخصيتك وأفعالك فهذا هو الجمال الحقيقي النابع من الفطرة السليمة.
فيجب أن تخلو حياتنا من هذه الممارسات المزيفة، ونرجع إلى حقيقتنا، وأن نقوم أنفسنا بين الحين والآخر لنكون أكثر اتساقا مع ذاتنا، وأفكارنا وتعاملنا مع الآخرين، نحن في حقيقة الأمر نتلاعب بالوهم وننتج منه حقيقة خاوية وفاقدة للبقاء والاستمرارية.
وأنت في حقيقة الأمر تتمرد على شخصيتك، وضعفك وعدم رضاك عن أدائك إذا أنت ترفض نفسك، وهذا ليس الحل، وإنما الحل يكون بإصلاح نفسك، وتقويمها وإرجاعها إلى كنهها، وحقيقتها، فلا تتعمد إغواء الغير بتقمص غير حقيقتك، فنحن نحتاج لشيء يجعل لحياتنا معنى.