ومن الفظائع العظام بهذا الزمان في هذه الدنيا الدنيئة أن يتحاسد الأشقاء، فيقع الحسد والحقد بين الاخوة على متع الدنيا، حتى يصل الحال بينهم إلى أن يكيد الأخ لأخيه، ويدبر له المكائد ويرسم له الخطط ليقع ويفشل ويتدمر ويهلك، ويهم بالسوء والشر نحوه، ويرتكب كل الجرائم ضده طمعا في متاع دنيوي زائل، أو بدافع غرور نفس أمارة بالسوء، أو وسوسة وتزيين من شيطان رجيم لعنه الله.
كما من المفترض في الشرع أن يسود الود والمحبة والمودة بين الاخوة ويسود الصفاء والنقاء بين الأشقاء، وتكون المعاونة والمساعدة والهبة من الأخ لأخيه وشقيقه ابن أمه وأبيه، والا يتوقع من أخيه إلا الخير والمعروف ولا ينظر إليه إلا أنه مصدر العطاء والبذل له، بعد الله تعالى، وحامي ظهره وحدوده وهو العين الساهرة على شؤونه وأموره وأملاكه، ولا يظن فيه إلا الخير، فإذا انقلبت هذه الأماني والظنون الحسنة إلى أمنيات شريرة، ونوايا خبيثة وأطماع عدوانية، فستكون هنا الصدمة والمأساة كبيرة، والحسرة والندامة عريضة.
فالحسد آفة خطيرة، وداء عظيم، إذ لو أصيب به المرء يحلق دينه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين»، فلا يجتمع الإيمان في قلب العبد ومعه الحسد، فإذا حل الحسد ارتفع الإيمان وتجرد قلب العبد من الإيمان، لأن قلبه سيمتلئ حقدا وبغضا وكراهية لمن يحسده! فكم من بيت يشتكي، وإنسان يمرض ويتعب، وكم من أسرة تفككت وتشرذمت ومشاكل تشعبت، بسبب عين الحاسد، والمشتكي لا يدري من أين العلة؟!
كما أن الحسد أول ذنب عُصي به الله في السماء بعد الكبر والعلو، وذلك حينما حسد اللعين إبليس آدم عليه السلام حينما أمر الله من في السماء بالسجود لآدم، فسجدوا إلا إبليس قال حينها: «أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين»، فمسخه ولعنه وطرده من رحمته.
ويزداد الأمر خطرا إذا علمت أن ابن آدم الأول حسد أخاه، وأدى به الحسد أن يحمل الأخ على قتل أخيه (فأصبح من الخاسرين)، ذلك هو الخسران المبين، فالأمر صعب وخطير أن ينتشر هذا الداء بين الإخوة والأخوات، بين الأحبة والأصدقاء، بين الزملاء في مكان العمل.
فالأمر ليس بالهين ولا بالسهل حينما يتمنى إنسان زوال نعمة أنعم الله بها على فلان أو علان، فهذا قلب عليل، ليس به صفاء ولا نقاء.
وإذا أردت أن تقف على أسباب الحسد، فهي أولا: عدم الرضا بقضاء الله وبقدره من الرجل الحاسد، فإنه لم يقنع بما آتاه الله، فينظر إلى الآخرين نظرة حقد وحسد، وعلاجها كامن في الرضا بالقدر والقناعة بما آتاه الله، ليكون سليم القلب لإخوانه وأحبابه.
أو قد تكون عداوة بينه وبين فلان أو علان، فنال منصبا أو علاوة أو غير ذلك، فحمله العدوان على حسده، وعلاجه: هو أن يكون المسلم نقي السريرة سليم القلب.
أو قد يكون تفضيل بعض الأولاد علي البعض الآخر، فيخصه بالرفق واللين والعطاء عن باقي إخوته، فيحملهم ذلك على حسد ذلك الولد، (قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين)، فحملهم ذلك للبحث عن وسيلة للتخلص من يوسف، وعلاج ذلك: هو العدل والتسوية بين الأولاد عملا بقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم».
فالحاسد لن يغير من قدر، لكنه أساء الأدب مع مولاه، فلايزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا، فإذا تحاسدوا أفسدوا ما بينهم من العلاقات الحميدة.
يذكر أن عامر بن ربيعة مر على سهل بن حنيف وهو يغتسل وكان سهل جميلا وجلده حسنا، فقال عامر: ما احسن هذا الجلد فمرض سهل مرضا شديدا فعرف بذلك النبي، فقال لعامر: «علام يقتل أحدكم أخاه؟! إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة».