الزيغ

وحده الله سبحانه قادر على أن يخلق ما يشاء، ووحده قادر على أن يغفر لمن يشاء، سواء كان لصاحب المصائب، المبتلى البائس، المهموم، المغموم وغيره الكثير.. إلخ، ومن ثم يرفعه بصبره الدرجات.

فالمصاب يكفر الله تعالى عنه، ويرفع درجاته، ويعوضه ذلك العوض العظيم، ولا ترفع تلك الدرجات ولا تعوض إلا بإذنه سبحانه، فالإنسان لا يؤجر على المصيبة نفسها، بل على قوته وصبره عليها، ولا ننسى قسم الله سبحانه وتعالى لنا، حين قال في كتابه العزيز:

(ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) (البقرة: 155)، فقد خص فيما بعد أولئك الصابرين والمحتسبين بالبشرى التي ستنسيهم جميع ما مروا به من مصائب وابتلاءات، فلا يبلونا جل وعلا، إلا ليختبر قوتنا وصبرنا ومدى تحملنا لأنه يحبنا، فنحن في هذه الدنيا ضيوف عليها، وسرعان ما سنغادرها إلى مكان أجمل وأنقى، ومن خلال رحلتنا هذه نتعرض للكثير من المحن، ولكن البعض أحيانا للأسف، يتذمر، يجزع، يخاف ويهلع، فيحرم نفسه من نصيبه في الدنيا، وعوض الآخرة أيضا، وقد يقنط البعض الآخر من رحمة الله ويحبط، فتجده يستقبل البلاء بالمعصية، بسبب جهله، ونقص إيمانه، فيخسر الكثير.

لكن لو علمنا أن الدنيا بكل ما فيها لا تساوي عند الله ـ سبحانه ـ جناح بعوضة، سنتوكل عليه سبحانه مرتاحي البال موقنين، وكما جاء في الحديث الشريف: «يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض»! فهناك حكمة، وهناك رحمة، يجب ألا نغفل عنها، خلف كل ما يحدث لنا، وخلف كل ما شرعه الله سبحانه وتعالى وقدره علينا، إلى أجل محدد لا يعلمه إلا سواه، وما علينا نحن كبشر إلا الثقة واليقين والتسليم له.

فالله تعالى نعم المدبر، ونعم الحكيم، ونعم الرحيم، فهو أعلم وأحكم منا جميعا.

فبالصبر، والرضا، والتعفف والخشية، سيفتح سبحانه لنا أبواب النعيم، وتلك هي المتعة العظيمة التي ستشعرنا بلذة التوكل والصبر والمناجاة، بعيدا عن الزيغ وفقدان أصل الطريق الصحيح إليه سبحانه.

ألا تكفينا تلك النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى علينا؟! وألا نستحق نحن عليه شيئا؟! فجميع ما يفعله بعباده من الإحسان والصحة والسلامة والإيمان والهداية واللطف محض تفضل منه، وأفعاله سبحانه وتعالى كلها دائرة بين العدل والحق والإنصاف.

فتذكر أن الجسد تالف، المال زائف لا يدوم وذاهب، الجاه، المتاع، السلطان والقوة، وكل من على هذه الأرض سيبارح، بخلاف السماوات وما فيها ومن فيها، ولن يبقى سوى القلب والروح، يرتفعان إلى حيث ما قسم الله سبحانه وتعالى لهما، وبعدها كل على قدر همته وسعيه وقصده وتوكله يحاسب.