قال أحد الشعراء:
ما وهب الله لامرئ هبة
أشرف من عقله ومن أدبه
هما جمال الفتى فإن عدما
فإن فقد الحياة أنفع به
إن الحضارة والرقي والتطـــور الاجتماعـي تأتي بحسن الأخلاق، وحسن الأخلاق يأتي بتحكيم العقل وتغليبه على القلب، حيث ان العقل يسمح بكبح غرائز الإنسان من الظهور والاستعلاء وتصبح أفعاله وأقواله بإرادة وعقلانية، حينها تتكون الحضارات وترتقي الأمم في علاقاتها الاجتماعية مع بني جلدتها ومع غيرهم من الجنسيات، قال المتنبي في مدح العقل: «لولا العقول لكان أدنى ضيغم (الأسد).. أدنى إلى شرف من الإنسان».
والمنى والأحلام والأخلاق الحميدة لا تتحقق حتى يتم تغليب العقول على القلوب، ومن الأثر يتحقق احترامنا لذاتنا وفكرنا، فيتغير حالنا في بيوتنا وحال أمتنا ومجتمعاتنا ايضا.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب. فردد مرارا، قال: لا تغضب»، وكأن هنا مراد رسولنا الكريم هو أن يوصي هذا الرجل بأن يأخذ من العقل سبيلا للتعقل، وكبح جماح عواطفه ومشاعره الغاضبة والتي محلها القلب، حتى يجني من الخير الكثير، ويدرأ من المفاسد ما هو عظيم، «فوصاه النبي صلى الله عليه وسلم ألا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مرارا، وهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير».
كما لو نظرنا لمثلنا الأعلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كان في قوم من أشدهم قوة وجفاء، وتصلبا وتعنتا، ومع ذلك جاء الرسول وعمل على شق القلوب، وتليين العقول، فأصبح ينجذب إليه القريب والبعيد.
فالتــعقل يــجب أن يكـــون في تجاذب وترابط القلب والعقل معا، يأخـــذ العقل ما يريد من مشاعر، ويحولها بعد ذلك إلى كلمات، فتتحـــول هذه الكلمات إلـــى قناعات، والقــناعات إلى مبادئ وقيم، والمــبادئ والقيم تتحول إلى القناعة العقلية، وبالتـــالي يتحول هذا التوافق إلى حراك للجوارح والجسد.
والثـــبات والالتزام بالتقوى وحسن الأخــلاق والذي مرده العقل، لا يستطيع امتهانه إلا من كان متحكما تحكما تاما في أفعاله وأقواله بقوة إرادة لا تكسرها الظروف ولا المصائب، فيصبح الشخص مرآة لعقله وقلبه.
وهكذا سيصل لمرتبة الإحسان، كما جاء في تفسيرها: «الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، وكأن المآل هنا هو أن تحسن لنفسك بالتحلي والالتزام بأخلاق حسنة تغذي بها عقلك قبل قلبك الذي فيه الهداية والخلاص.