عندما أراد جيش أبرهة الحبشي هدم الكعبة الشريفة، ذلك حين حاول أبرهة المعروف بـ«أبرهة الأشرم»، حاكم اليمن من قبل مملكة «أكسوم» الحبشية تدمير الكعبة ليجبر العرب وقريش على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها وزينها في اليمن، وخرج مع جيوشه على الفيل متجها إلى مكة، لكنه لم يستطع، فقد انقلب الشر الذي أراده أبرهة بالكعبة على نفسه، وأهدر الله جهده المبذول في السعي لذلك، وأرسل الله على أبرهة وجيوشه جنودا من السماء متمثلة بأسراب من الطيور يتبع بعضها بعضا، ويحمل كل منها حجارة من طين، فألقتها عليهم حتى أهلكتهم جميعا، وصاروا مثل آثار الزرع المأكول الذي صار يبسا مهانا على الأرض، فسبحان من يضع سره في أضعف خلقه.
قول مفاده أن الله «يضع سره في أضعف خلقه»، فمن هو أضعف خلق الله، والذي قدر له بمقتضى هذا القول أن يكون موضع سر الله؟ هو قول يحمل في طياته الكثير.
يظن كثير منا أن هذا القول عام في حق كل مخلوق ضعيف، ولكن المراد بهذا القول هو أن ينتصح المرء بما يشتمل عليه من حكمة بالغة تحذره حتى لا يتوهم أن هذا المخلوق الضعيف أو ذاك ليس بقادر على أن يقهر بإذن الله من هو يفوقه قوة، طالما كان الله قد وضع فيه سره، فلا تتعالى أيها الإنسان أو تنتقص من قدر غيرك، فقد يرى الله سبحانه وتعالى قدرته في مخلوق ضعيف قد تكون أنت احتقرته أو قللت من شأنه في يوم ما، فيصبح هذا المخلوق الضعيف آية وعلامة على كمال قدرة الله تعالى.
فلا نحكم على المظاهر الخارجية ولا ننخدع بها، فقد يضع الله سبحانه وتعالى حبه وولايته في أضعف الخلق، وهناك حديث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يدل على هذا المعنى:
حديث أبي هريرة قال: «قال رسول الله ﷺ: رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره».
وهذا يعني أن منزلة الإنسان وقدره عند الله تعالى تقاس بما يحمله من التقوى لله، أما المظهر فلا يدل على شيء عند الله سبحانه وتعالى وليس له وزن أو منزلة عنده، وعلى قدر استقامة الإنسان تكون منزلته وعلو درجته عند الله.
تظهر أيضا قدرة الله تعالى بوضع قوته وعظمته في المخلوق الضعيف، كما ذكرنا أعلاه في قصة أبرهة الحبشي عندما أراد هدم الكعبة الشريفة.
فعلى الإنسان أن يتواضع ولا يتكبر، ويجب أن يعيد النظر في سلوكه تجاه الآخرين.
فتلك المقولة هي لتذكير الأشخاص بضرورة أن يتقبلوا أنفسهم كما هم، ويجب أن يعاملوا الآخرين باللطف والاحترام والتقدير، دون الانتقاص من قيمتهم أو أهميتهم، تيقن بأن لا أحد أفضل من أحد عند الله إلا بالتقوى.
وبشكل عام، هذه المقولة تعبر عن فلسفة الحياة الإنسانية، وتشجع على تبني سلوك إيجابي تجاه الآخرين وتجاه النفس.