جميعنا جئنا إلى هذه الدنيا وواجهنا ظروفا دفعتنا لنكون كما نحن، قد لا نكون الأفضل، لكننا على الأقل ينبغي أن نواجه الحياة، وألا نقف لنتفرج فيها، ذلك لأن الحياة لا تأخذ ظروفنا بعين الاعتبار، ونظرا لأن لكل واحد منا ظروفا دفعته ليبدو بالشكل الذي هو عليه، لزاما علينا أن نحترم الآخرين، وأن نضع ظروفهم دوما في الحسبان.
ولكل شخص منا حكاية، وكل فرد بمنزلة حكاية تنسج خيوطها التي لم تكتمل بعد، هذه الحكاية مليئة بالأحداث، فلا يجد صاحبها بدا من ممارسة حياته بالشكل الذي يظن أنه فرض عليه، لذلك لن نكون عادلين أبدا عندما نتحدث عن الحرية والرفاهية، لأن الذين تمارس عليهم الحياة ضغوطها لا يعرفون تلك الحرية ولا الرفاهية أبدا، هم فقط يقاومون، ويواجهون، وقد يستسلمون أحيانا، وقلما ينتصرون، فتصبح الخسارة والهزيمة هي العنوان العريض لمن لم يجد نفسه على استعداد لمواجهة الحياة.
الحياة تصنع بالقوة، ومن لم يمتلك هذه القوة، تقتله الحياة بالقوة، ليس لأن البقاء يكون دائما للأقوى، ولكن ظروف الحياة تقهر الضعفاء أيضا، ومن لم يجد ظروفا مناسبة لممارسة الحياة، فهو في الغالب سيضطر لمواجهة الحياة، والظروف، هذا إذا أراد أن يعيش، فالحياة لا تسعفه في الاختيار، هو فقط الذي يختار ما يريد، بين أن يواجه بطش الحياة لينال منها، أو تمارس عليه الحياة عنفوانها، قبل أن تضعه في الهامش.
ولكل منا ظروف تنطوي عليها حكاياتنا، نحاول أن نتوارى خلف الظروف لنظهر بشكل أفضل، لكن ذلك لا يدوم طويلا، فما تدفعنا إليه الظروف يكشف عوراتنا، فيجعلنا ضحايا لظروف لم نخترها أبدا، ولم نكن لنختارها لو منحت لنا حرية الاختيار، وهذا لا يعني أننا لسنا أحرارا، نحن أحرار إلى حدود معينة، إلى الحدود التي تفتك فيها بنا الظروف، فنصير خاضعين للظروف التي جعلتنا نبدو بالشكل الذي نبدو عليه، فما أسوأنا عندما تكون ظروفنا أقسى مما نرفض!
هكذا تبيح لنا الحياة ما لا نستسيغه، فتجبرنا على اعتناق ما تجود به علينا من معاناة وقسوة ومرارة، لا نملك حيالها في البداية إلا أن نواجهها، ونفعل ذلك حفاظا على ماء الوجه، فأن تقاوم الظروف، وأن تواجه عنفوان الحياة، فذلك ليس سهلا بتاتا، وليس في متناول أي شخص، فالتسلح بالقوة في أشد لحظات الضعف لا يتسم بها إلا من يمتلكون في داخلهم طاقة تسعفهم عند اللحظات التي تقترب الحياة أو تكاد من أن تميتهم قهرا، لقد تعلموا المقاومة، وعرفوا أن ظروف الحياة تستدعي أن نقف في مواجهتها، وأن نأخذها على محمل المقاومة، بدلا من أن نتركها تدهسنا.
فنحن أقوى من أن نموت بسهولة، ونحن أشد صلابة من أن نستسلم بسهولة. لكن الحياة تدفعنا إلى ما لا نشتهي، ولكي نغطي ضعفنا، وقلة حيلتنا، ندفع مجبرين على ممارسة ما يتنافى مع طموحاتنا ورغباتنا، ليس لأننا نخاف الحياة، بل لأننا نواجه الحياة حتى نستولي عليها، نواجهها بحذر، ونمارس بعض الحيلة قدر الإمكان، حتى نكتسب طاقة جديدة، هذه الطاقة هي التي تسعفنا عندما نقرر أن نفتك بالحياة.
كما ينبغي أن نتعلم أن نأخذ ظروف الآخرين بعين الاعتبار أيضا، وألا نحاكمهم انطلاقا من الوضعيات التي نصادفهم من خلالها، فهؤلاء أجبرتهم الظروف على ذلك، ربما يخبئون في دواخلهم مرارة حظهم، وربما لم يجدوا بديلا من تقبل واقعهم، أو لم يجدوا من يسعفهم في تغييره، وهذا لا يعني أنهم غير قادرين على تغييره، بل إن ذلك هو أقصى ما منحهم الواقع.
وأكثر الناس ينتظرون شيئا ما ليتغيروا، وآخرون يتغيرون عندما تحدث لهم صدمة، أو تتغير أدوارهم في الحياة، لكن أعظم التغير هو التغير المقصود الواعي النابع من التأمل والإرادة والشعور بالمسؤولية، مثلما السيارة ذات العجلات المتوازية بدقة تجري في طريقها بسهولة وبسرعة.. فأنت ستؤدي في الحياة بشكل أفضل إذا وازنت بين أفكارك ومشاعرك وعواطفك ومبادئك وأهدافك وقيمك.
فكل شيء في هذه الحياة كما قال جورج إليوت: سيغادرنا ويذهب بعيدا عنا، ففي نهاية حياتنا لن يكون لدينا أي شيء مثلما جئنا إليها في البداية.