لماذا نعقد أنفسنا ونتناسى بشريتنا؟! لماذا نصعب الامور ونبدو على غير حقيقتنا؟ لماذا يسكننا هاجس أن نبدو دوما مثاليين جدا وذلك من خلال تصنعنا؟! فلقد اصبح معظم كلامنا مصطنعا، اصبحت خلافاتنا تغلفها الأنا الفردية، اصبح لباسنا طاغيا في شكله ومضمونه، إلى ان أضحينا ممسوخين للأسف، يقال إن البساطة والعفوية تعطيك عمرا إضافيا وتمنحك شخصيتك الحقيقية، وتساعدك على أن تعيش كما أنت لا كما يريد الآخرون منك، البساطة والعفوية تختصر لك الصداقات، والاقارب، والعلاقات، وحتى الكلام وكل مناشط الحياة، وتدخر لك منها الأجمل والأصفى والأعمق.
الرسمية والتملق والمجاملة ومجاراة رغبة الآخرين ومسايرتهم تقضي على العمر، وقد تصحو في نهاية عمرك على ساعات مهدرة وضائعة.
فلا تجعل من مثاليتك المصطنعة حاجزا مانعا عن تعاملك مع أصناف الناس بشكل طبيعي، فتأكد انه لا يمكن أن تفرض شخصيتك أمام الآخرين بشكل ناجح، وكن على قناعة ويقين تام أنك لن تصنع منك قدوة للآخرين والتسلل إلى قلوبهم، ما لم تنزل لمستواهم، وتتساوى معهم بروحك، وقلبك وأسلوبك وشخصيتك.
ابتعد عن المثالية المبالغ فيها والتعالي والتظاهر بأنك ملاك، وتنفس الحب والتواضع والبساطة، وابتعد عن البغض والكراهية! قد نهانا الشرع الحنيف عن التكلف والتصنع والتملق وإظهار الإنسان وجها آخر غير حقيقته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال «نهينا عن التكلف» رواه البخاري.
فالمثالية الزائفة والتكلف في التعامل مع الناس تصنع منا شخصيات مختلفة عنا تماما، شخصيات «وهمية مشوهة»، لأننا نتصرف على غير طبيعتنا المعتادة، ونصاب بخيبات الأمل، وفقدان الذات، والانصهار داخل أنفسنا، حينها نصبح أكثر الاشخاص سطحية، ونمطية، وتناقضا، لأننا نقوم بأداء الأدوار المصطنعة بشكل متكرر وفق تقاليد معينة.
نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب نكس رأسه، فقال: يا هذا ارفع رأسك، فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب، فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا.
كما لا تبحث عن نفسك بين الآخرين، فهذا الجهل بعينه، فأنت من تملك ذاتك، وشخصيتك وأفكارك، ومبادئك، وقناعاتك، انت من تملك الاتجاهات كلها، فقط حدد المسار الصحيح وسر به وحدك، وتجنب المجاملات التي لا طعم لها وارتدِ ثوب العفوية، ولا تحمل نفسك ما لا تطيق.
يجب أن تخلو حياتنا من هذه الممارسات المزيفة، ونرجع إلى حقيقتنا، وأن نقوم أنفسنا بين الحين والآخر لنكون أكثر اتساقا مع ذاتنا، وأفكارنا وتعاملنا مع الآخرين.
فلا شيء يدوم على حاله، فلماذا لا تكسب قلوب الناس ببساطتك وعفويتك؟ فكسب القلوب أولى بكثير من بعض الأمور الوقتية التي لا تدوم، فلا تصنع لك أعداء، فأنت بغير الناس والعلاقات لن تستطيع أن تمارس حياتك بشكل طبيعي، حتى لو تعامل معك البعض فسيكون بأسلوب المجاملة، سيأتي اليوم الذي يذوب فيه الجليد لتعرف حقيقتك عند غيرك.
قيل للحسن البصري: ما التواضع؟ قال: التواضع هو ألا ترى مسلما إلا وتظن انه خير منك.
أما المثالية الزائفة والنفاق واﻷنانية المفرطة تجاه الذات فهي المشكلة التي يكتشفها الناس عادة في أواخر حياتهم، هم الذين فكروا في أنفسهم أكثر من غيرهم، وتعاملوا بأنانية مفرطة تجاه الآخرين وخسروا أشخاصا لا يقدرون بثمن من أجل منافع لن تدوم طويلا ومظاهر خداعة.
وبعد ذلك نرجع إلى وعينا وبدل أن نعترف بهفواتنا وأخطائنا نسوق المبررات والظروف التي جعلتنا نتصرف هكذا!
فإلى متى سنبقى غير متزنين نعيش على الأنا؟ ومتى سنعي أن هذه الحياة لا تعاش إلا بالتعاضد، والمحبة؟ وأن الانزواء والتقوقع في مكان بعيد هو هروب من إنسانيتنا؟!