هناك احتمال أن تتغير أفكارك عن العالم وعن نفسك، هناك احتمال أن تتغير مشاعرك تجاه الآخرين وتجاه ذاتك، هناك احتمال أن يتغير غدا، هناك احتمال أن الماضي لم يحدث إلا في عقولنا، هناك احتمال أن تصبح نقيض ما أنت عليه، هناك احتمال أن تصير لما هربت منه.. كل شيء ممكن أن يكون وألا يكون، هناك احتمال أن ما يبدو لنا خطأ اليوم قد يتغير ويكون هو صواب الغد، هناك احتمال أن المستقبل هو ما نقاومه، فلا ترهن وجودك بكون كل شيء هو الرأي الأخير غير المتغير، لأن كل شيء في هذه الحياة مجرد احتمالات او أحداث قابلة للتغيير!
فالإنسان ماهو في الحقيقة إلا مزيج فريد من التجارب النفسية والحياتية والاحتمالات الشخصية الممزوجة بالتغيير مع القيم والعادات والسلوكيات التي تعرض لها منذ الصغر، ما يعني أن هوية الإنسان الثقافية ديناميكية، حيث إنها تستمر في التطور بتفاعلاته الحياتية مع غيره من البشر سواء في نفس نطاق ثقافته أو خارجها.
كل شيء قابل للتغيير في هذه الحياة، حتى الشيء الذي تستثنيه احيانا، لا بقاء فيه على حال، قال هيراقليطس «الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغير المستمر».
كما ان موجات التغيير في عالمنا المعاصر متقاربة وسريعة وحركة التغيير السريع تشير إلى قوة كامنة خلف الإثبات.. إثبات الذات وإثبات قدرة التقبل، ولكن التحدي الأكبر أمام أي إنسان هو أن يتغير أو يتقبل أي تغير يطرأ إما على مستوى حياته أو على مستوى الوسط المجتمعي الذي يعيش فيه، فالإنسان كائن متغير وكل شيء داخله وحوله في تغير مستمر يمضي في حياته يفشل وينجح.. يسافر ويستقر يحب ويكره يتحول من ثراء فاحش إلى فقر مدقع أو العكس.. يقابله أناس يدخلون في عالمه ويخرج آخرون وهكذا، دائرة عجيبة يدور الإنسان في فلكها.
التغيير سنة إلهية يقوم عليها هذا الكون في كل مكوناته المادية والمعنوية.. والمجتمعات البشرية تتأثر إما سلبا أو إيجابا بكل ما هو متغير، فما حياتنا إلا عبارة عن ذكريات يومية، سجل وقائع الأحداث، وأيامنا تدون الذكريات.
ونحن البشر شيء في هذا الكون وتسري علينا قوانينه حالنا كحال باقي خلق الله.. والتغيير سنة الله في خلقه فالحياة متغيرة متبدلة لا تثبت على حال وهذا هو الأصل فيها.
والكون الكبير المتسع الممتد الرحب الذي يتجاذب أطراف التناقض بين اتساع وضيق.. زيادة ونقصان.. بين عثرة وقفزة.. بين بداية ونهاية.. خسارة وانتصار.
وكما يقال الكون كثوب درويش صوفي فيه من كل لون بقعة ومن كل نوع بصمة لا يكف عن التبدل والتحول طاحونة ريح تقلب الأشياء رأسا على عقب وكأنها عاهدت نفسها ألا تبقي شيئا على حاله فأصبح معها دوام الحال من المحال!
ففكرة التغيير في حد ذاتها فكرة منصفة جدا، ماذا لو لم نتغير؟ لهلكت كل دواعي السعي لفقدت الحياة معناها لغاب سر الوجود أن يبقى الفقير محتاجا.. والغني مالكا.. والصغير جاهلا.. والعالم عارفا ثباتا أبديا دون أي مؤشر لتبدل المواقع وتغير الأحوال أمر عبثي للغاية وحقيقة مؤلمة تقتل الحياة فينا.