الإنسانية صفة شاملة لعدة عناصر تجمع البشر تعايشا وتفاعلا وتنوعا، كلا حسب ميزته وحضوره وكيانه وشخصه وذاته، دون تفرقة، دون حياد، دون تحيز، هي المبدأ الإنساني الذي تقوم عليها كل المبادئ الأخرى، كما تحمل في الوقت ذاته مضمون الإحسان والإيثار.
الإنسانية أن تبني جسور التواصل بين البشر رغم اختلافاتهم، مستوياتهم، مراكزهم، مناصبهم.. إلخ، الإنسانية هي فتح أبواب المعرفة والإدراك أمام الناس، هي المشاعر والقيم الدالة على قيمة الإنسان والتي تميزه عن غيره، فوحده الإنسان من يمتلك قيم ومبادئ يجب ألا يتنازل أبدا عنها.
فلولا الإنسانية التي زرعها الله في قلوب البشر ما بقي من خير بداخلهم، الإنسانية هي ألا تقبل أن أحدهم ينتقص من شأنه أو يحتقر أمامك، أن تحب لغيرك الخير كما تحبه لنفسك، أن تتنافى مع الانحطاط والتدني، ان تسعى لسعادة الغير، كون الإنسانية سموا وارتفاعا أيضا.
أن تغسل قلبك ولا تحسد الناس على نعمهم، فأنت لا تعلم ماذا أخذ الله منهم، الإنسانية ان تكف عن الأنانية وحب الذات والنظر للشخص الآخر وكأنه عدو لدود لك.
فصرنا الآن نبحث عنها للأسف في زمن قوي ساعد الإنسان فيه واضمحلت الإنسانية بكل قيمها، صرنا نبحث للأسف على أن تكون إنسانا في كوكب اختزل الإنسانية في التعاظم والتعالي والكبر والغرور.
فالإنسان ذلك الكائن الراقي الذي يفترض به ألا يسير وراء غرائزه، صار الآن يهرول وراء ذلك التعاظم والكبر والتعالي بصورة أكبر، ويتباهى به بكل شموخ أمام غيره.
وبالرغم من تشبثي دائما بفكرة واحدة، وهي أنه ليس شرطا أن تكون شخصا بتلك الصفات لكي تكون إنسانا سعيدا، إلا انني أرى وبازدياد ان الكل صار يجري وراءها، ذلك فقط لكي يشعر بالسعادة والرضا، ولكي يعيش بين جدران العالم الأربعة.
فظل هناك سؤال مطروح بذهني: هل سأكون أنا أيضا سعيدة ما أن أصبح كذلك؟ تهت وأنا أحاول فك المعادلة! حتى انجرفت ورائي سيول من التساؤلات، منها وهل تلك الصفات تسمح لي بتدمير وتشوية سمعة أو صورة إنسان آخر؟ تحطيم معنوياته؟ قتل فرحته؟ قول ما ليس فيه؟ نبذه؟ كسر مشاعره؟ هدم كل ما هو جميل فيه؟.... إلخ؟
بالطبع لا، فالإنسانية أسمى معاني الوجود، تتجاوز حتى اللغات المحكية، ولها القدرة على تجاوز كل الخلافات والتعبير عن الذوات، الإنسانية بحيث تأنف من إيذاء نملة بلا سبب، فما بالك من إيذاء إنسان؟!
يقال: «ستظل الإنسانية أسمى القيم.. كن إنسانا أو مت وأنت تحاول».
فلم كل هذا الخراب الذي يساهم فيه الإنسان في سبيل كبر، تعاظم، تعال، أنانية وقوة واهمة؟ أليس غريبا أن نسمى إنسانا ولا إنسانية فينا؟ أليس غريبا أننا مازلنا نبحث عن الإنسانية ونحن الإنسان؟
وفي سبيل الاستمرارية بهذا المجتمع الكئيب وفي هذه البيئة المزيفة، نسينا تماما أننا بشر يحكمنا الحب وتحكمنا المشاعر قبل كل شيء، تجمعنا المودة والرحمة والعطف، لنضمن استمرار التعايش بالتسامح.
إلا ان أصبحنا نعيش في سجن الإنسانية المقيد بأغلال الحقد والكراهية المنتشرة! ونتحدث عن الرقي في حين أننا لا نرى سوى تخريب أكثر من طرف الإنسان للإنسان نفسه.