لو تأملنا مفهوم العطاء في الإسلام، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو مواقف الكرم والجود والنبل والسماحة والسخاء التي ميزت حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لما امتدحه ربنا سبحانه وتعالى وقال: (وإنك لعلى خلق عظيم).
والعطاء دائما ما يولد الحب، المودة، الإخاء، الميل والمصافاة، وقس على ذلك عطاء الأمومة والصداقة والأخوة وغيرها، حتى إن العطاء صار يوصف كعلاج نفسي يعزز الصحة النفسية والجسدية احيانا، كونه يسهم في الرضا عن الحياة وجودة الحياة وتعديل السلوك وتربية النفس، ويصفي ذهن الإنسان وحياته بين فترة وفترة من جميع الانفعالات السلبية.
فهو يجسد الكرم، والكرم من أسمى الصفات المحمودة، فالنفوس الشريفة من طبعها البذل والعطاء، والعطاء هدية تزيد الدفء الأسري فتقوي أواصر المحبة وتعزز العلاقات فتبعدنا عن الأنانية وحب الذات والسعي وراء المصالح الشخصية، وتقضي على الآفات الاجتماعية والحقد وروح الانتقام، العطاء واحد من أجمل الصفات التي تتواجد عند الإنسان، فهو يساعد على زيادة الألفة بين الناس ويخلصنا من مشاعر البغض والكراهية.
كما يعد العطاء مسؤولا عن الشعور بالمتعة والراحة والدافعية والحب، يجعل الفرد يشعر بالانشراح والسرور.
فــلا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، ولكن أحيانا كثيرة مهما رفعت من سقف العطاء، ستجد أن هناك أناسا لا يثمر في أعينهم شيء أبدا، فحين كان النبي صلى الله عليه وسلم أمينا صادقا سخيا كريما رحيما ومعطاء، إلى غير ذلك من خصاله الشريفة، كان الحاقدون ينفثون شرورهم بغية النيل منه، إلا أن مساعيهم دائما ما تذهب سدى، وكأنها ليست إلا نقطة حبر ضحلة أرادت تلوين بحر صاف يترقرق ماؤه النقي ليغسل الأيام.
على الرغم من ان العطاء يعتبر قيمة إنسانية عالية لا يقوى عليها إلا الكريم، إلا ان هناك الكثير من الاشخاص الذين يعملون على عض اليد التي اعطتهم وأحسنت إليهم! وكأنهم يرون ان الإحسان وكرم الاخلاق والعطاء نوع من انواع الإهانة يردونها بالإساءة انتقاما بسبب لؤم ودناءة وخبث طباعهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم «أبت النفس الخبيثة أن تخرج من الدنيا ما لم تسئ إلى من أحسن إليها».
لذلك علينا أن نكون واعين، مدركين، متوازنين في حياتنا من جميع النواحي وبالأخص من ناحية العطاء، نكون متوازنين حتى بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا للآخرين، فالتوازن هو الفيصل.
جميل هو العطاء الذي كما ذكرنا يعتبر قيمة عالية جدا لا يقوم بها إلا الكرماء الذين أكرموا أنفسهم وأكرموا من حولهم، اولئك الذين راعو المسؤولية التي عليهم اتجاه أنفسهم ومن ثم اتجاه الآخرين.
وجميل ايضا أن يتصف المرء بالعطاء والإيثار والرحمة ووعي الضمير ومراعاة حقوق الآخرين، فكلما كان أوفر تواضعا وأبسط حياة وأقرب إلى الناس كان أوفر سعادة.
لكن إياك ان تخطئ وتتواضع لأشخاص تغيرت طباعهم وانطباعاتهم، وتبدلت نظرتهم إلى الآخرين وإلى أنفسهم، واختفى النقاء بداخلهم، وغاب الوازع الديني والأخلاقي لديهم، واتصفوا بالخبث والأنانية وموت الضمير، اشخاص لا يستحقون نيتك النظيفة وعطائك الدائم وأمانتك.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله «أظلم الظالمين لنفسه من تواضع لمن لا يكرمه ورغب في مودة من لا ينفعه».