تعتبر الوحدة الوطنية هي حجر الأساس في استقرار الدول ونمائها، وهي التي يقوم عليها البناء الوطني السليم، وبالتالي تشكل هدف التنمية السياسية وغايتها الأولى، فيكفي عندما جاء الإسلام أولى الوحدة الوطنية اهتماما بالغا وعمل على ترسيخ دعائمها وتقوية أواصرها رغبة منه في أن يكون المجتمع مترابطا متلاحما مبنيا على التراحم والتسامح والعدل والمساواة والحب والعطف ونصرة المظلوم والأخذ على يدي الظالم والدفاع عن الحق ومواجهة الباطل ودحره، مجتمع يقوم على أسس سليمة البناء حتى يكتب له الاستمرار.
فالوحدة الوطنية تشكل بحق أهم الثوابت الوطنية وأكثرها إلحاحا وحيوية، ومفهوم الوحدة الوطنية يعتمد على ما تمثله الدولة من علاقات تماسك وترابط بين مختلف عناصرها إقليميا وقيميا واجتماعيا وثقافيا. وهي تعتبر انتماء وطنيا يسمو على مختلف الانتماءات والولاءات الأخرى.
الوحدة الوطنية فريضة شرعية لازمة بنص الكتاب والسنة، وغالبا ما تحظى باهتمام بالغ من الباحثين والعلماء والمفكرين والساسة، نظرا لأهميتها في تحقيق النهضة والتنمية، وتعزيز سيادة القانون وحقوق مختلف الجماعات والأفراد، على اختلاف انتماءاتها السياسية أو المذهبية أو الثقافية أو العرقية، وعلى اختلاف مشارب المواطنين وعلى اختلاف انتماءاتهم.
وشهد تاريخ الإسلام الحرص على ترسيخ دعائم الوحدة الوطنية من فجر الإسلام فمنذ الهجرة النبوية كان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بناء المسجد النبوي لتوثيق الصلة بالله، وكان العمل الثاني هو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وكان العمل الثالث وضع الوثيقة التي أبرمها بين المسلمين وغيرهم وهي «صحيفة المدينة» التي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان، لذلك تتطلب الوحدة الوطنية ضرورة التعايش، في إطار من التسامح والحرية المسؤولة، واحترام الخصوصية والهوية الوطنية والانتماء الوطني وما يمثله من سمو وأولوية تسبق كافة الولاءات والانتماءات الأخرى في الدولة.
كما تقلل في المقابل من نسبة المشاكل الداخلية الاجتماعية التي تعاني منها المجتمعات المتفرقة: والتي تعود بالضرر وتلحق أذى كبيرا بالمصلحة العامة للبلد، وذلك من خلال سيادة مفاهيم المحبة والود والتعاون التي تقف في وجه التخريب والجرائم وتتصدى له، وتسهم في النهوض بكل قطاعات الدولة: وبالتالي تمهد الطريق نحو مستقبل مشرق لكافة فئات المجتمع، حيث إن الوحدة الوطنية تولد لدى الشخص شعورا بالانتماء نحو وطنه وأبناء شعبه، وبالتالي تدفعه لأن يخلص في عمله ويطور من نفسه، وبالتالي ينهض بدولته.
فأينما تحل الوحدة الوطنية تختفي كافة الشرور، والخلافات، والأحقاد، والعنف، والعنصرية، وتسود أجواء المحبة، والتسامح، والتكاتف، والتآخي، والتعايش، وخلق نسيج وطني ومجتمعي متلاحم، يخدم وينمي مفهوم الوحدة الوطنية، ورقي المجتمعات ويجب علينا الحفاظ عليها مما قد يطولها من آفات وأضرار.
وفي المحافظة عليها يتم تحقيق مفهوم المواطنة السليمة ووأد الفتن الداخلية وانتشار السلام نتيجة لعدم وجود النزاعات العقائدية والعرقية، وتغليب لغة الحوار وازدهار مؤسسات الوطن نتيجة للعمل المخلص والدؤوب على تطويرها، وازدهار القطاع الاقتصادي والارتقاء به وتلاشي المشكلات الناتجة عن تراجعه تدريجيا، وتحقيق القوة والمنعة الخارجية أمام الدول الأخرى نتيجة لتماسك النسيج الوطني الداخلي، وحماية مكتسباته ومرافقه كافة، والعمل على تطويرها.
لذلك، يجب علينا كمواطنين أن نتجنب كل ما يسيء إلى الوحدة الوطنية من أفعال أو أقوال أو غيرها، فهذا يهدد تلك الحالة الإيجابية، وربما يؤدي إلى كثير من الفتن والمشاكل بين مكونات المجتمع، والأهم وجوب طاعة ولاة أمرنا، قال عبادة رضي الله عنه: بايعنا رسول الله ﷺ على ألا ننازع! وهذا يدل على أنه لا يجوز منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم، وهذا تجنبا لأي مفسدة وتحقيقا لعلو شأن الوطن ومواطنيه.