كل منا يملك ماضيا يؤرقه ويغرقه في التفكير، ماضيا اما ان يكون مفرحا، كلما تذكرناه تمنينا رجوعه، واما ان يكون محزنا، كلما تذكرناه بكينا على ضفافه نادمين، (كم تحدثنا؟ ليتنا قلنا ! لما تجاهلنا؟ هل أسأنا أم بالغنا؟)، ماذا عن الفرص التي لم ننتهزها؟ ماذا عن تأسفنا لقرارات لم نتخذها؟ ماذا عن خوفنا وترددنا؟ لما ضعنا وحدث كذا وكذا وكذا.
نتجمد في مكاننا أياما، شهورا، وسنين، جالسين نفكر في أشياء قديمة يائسين، نقمقم الدنيا، ونعتب على ظروفنا، ومدى تأثيرها السلبي علينا، فنجد انفسنا في موقف لا يحسد عليه حاسد، نقضي أيامنا وكأننا عالقون، في مكان مبهم غير مبين، لا نعرف هل نحن في واقع أم أننا واهمون.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». فعلا، فهي تفتح عمل الشيطان، لنستنزف اتقادنا وانفعالنا، في متاهات ودهاليز غير مجدية لنا، قال تعالى: (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا ـ سورة آل عمران). ففطرة الإنسان معرضة لعوامل البلاء، أو الانطماس والاندراس، لكن كلما كانت فطرتك نقية سليمة فستكون مستعدا أكثر لإدراك واستيعاب الأشياء من حولك، وستتقبل الحقيقة مهما كانت قاسية عليك.
وكلما كنت أنت أقرب إلى الحق، فستتمتع بالقدرة على الحكم على الأمور بالطيب والسيئ والقبيح، مجرد قيم قد تكون ذات حجم محدود، لكن،
ستشعرك فيما بعد، بأنك تتربع على أجمل عروش الدنيا، ألا وهو عرش (المبدأ الحق)، لطالما كنت فعلا على حق.
وستصبح كالدرع لن ولم تصهرك تلك الحجرات الصهارية، والتي قد تأتيك من كل حدب وصوب، وسيصبح ذلك الماضي الحزين كصديق قريب حميم لك، وقد يكون يوما من الأيام هو سر تميزك وابتسامتك، يعلمك ويبني من جديد شخصيتك، ويأخذك لعبور عوالم أخرى متنوعة بعيدة عن كل ما يحبطك.
موقفك، مبدأك، قناعتك، لا تدعها أبدا تتأثر بعواطفك ومشاعرك، بل اجعل قيمتك تزداد من تقديرك العميق لتجاربك، واجعل منها ثباتا قويا لا يتراجع أو يتزحزح.
المعضلة الحقيقية هي أن تتصف بالاتساق الذاتي والمنهجي الفكري، كي تكون متسقا مع ذاتك، منفردا بفكرك، راضيا عن نفسك، مفعما بإلهام جميل يجدد حيويتك، والذي سينعكس مباشرة على صحة قلبك وصحتك، كرصيد جمعته بداخلك، من خلال كل مرحلة من مراحل عمرك، تقول الكاتبة الأميركية لويزا هاي:
«داخل كل منا، مركز للحكمة، متجذر فينا وأكبر ما يمكننا أن نتصور، يساعدنا على فهم حياتنا، يجعلنا مستعدين لتقبل أساليب جديدة للتعامل مع مسائلنا، لنتواصل مع ينابيعنا، التي تمنحنا على مواجهة أوقاتنا الصعبة، ورؤية الحياة بصورة أوضح».