وفي حديثه عن ذكريات طفولته، حين كان يقطن في قرية «الفنطاس»، والتي هي مسقط رأسه، سرحنا بلا شعور معه بإحساس غامر وجميل، امتد ليشمل أجسادنا، أرواحنا، أنفسنا، سرحنا بلا حدود، بلا زمان، بلا مكان، بصفاء ذهني، وبإحساس راق يسمو بمن يشعر به.
أخذنا معه إلى ذاك الزمان، وإلى تفاصيل قريتنا البسيطة، بأهلها، بأهازيجها، بفنونها التراثية وحكاياتها، بسككها، بفرجانها، وبهدوء بحرها وعتق شواطئها، وكيف كانوا يتسامرون في لياليها.
لحظات ممزوجة بالنقاء والإشراق، عشناها مع هرم الفن والأخلاق الفنان القدير سعد الفرج، والذي كان ضيفا من العيار الثقيل، في برنامج مجموعة إنسان مع الإعلامي السعودي المحترم للغاية والمتألق علي العلياني.
ضيف اثلج صدورنا بطلته الخفيفة على قلوبنا، ضيف سامٍ بأخلاقه، بأسلوبه، بفنه، ضيف متميز ببساطته الفخمة وبتواضعه، ضيف فذ بفكره الفريد وبمبادئه، والتي دائما ما تلوح في فنون أدبه وتضاعيف حديثه.
تابعناه وأعيننا كانت تتأمله، مع ابتسامة جذلى، ﻣﺴﺘﺒﺸﺮة، داﻓﻘﺔ، تابعناه مستمتعين بما نسمعه، ومن ذا الذي لا يستمتع أمام هذا الكنز الضخم الوقور.
سرد ذكرياته بحنين وأنين لا ينسى، بعين تبرق في عليائه، تحمل عبق روعة الماضي الخلاب الجميل، بنبرة واضحة، غزيرة ومليئة بالحب والإخلاص.
سرد ذكرياته التي يستحيل أن تخلو من ذكر معلمه ناصر الحنيف المزيعل، رحمه الله، والذي دائما ما يسعدنا بنطق اسمه على لسانه العذب، وهذا ليس بغريب عليك، فأنت نهلت من الأخلاق العظيمة الحميدة في بيئة أصيلة شامخة.
كما تطرق في مقابلته لأمور رائعة، قيمة، عديدة، منها حبه وعشقه الجم للكتابة، وكم من تلك الكتابات للأسف لم تر النور، من ضمنها (مسك الكلام)، ووضح لنا بعض الخصال التي يفترض توافرها بالفنان الحقيقي.
خصال مصحوبة بوصايا، لكل فنان يسعى فعلا بتوصيل رسالة ذات مغزى، هادفة، مليئة بالعبر، ومن دون شك في أن تلك الوصايا مستمدة من بيئته وموروث تربيته، التي صنعت له ثقلا عن المجد ابديا،وجعلته رمزا بات محفورا في نفوسنا.
فهو مدرسة شاملة، نتمنى من الكثير أن يرقى إلى مستواه الشاهق، ويتواءم مع مكانته، صاحب شخصية اسطورية. مخزون ثقافي واسع، ينبع من الحكايات القديمة ذات القيمة.
وبصدد وفائك النادر وحبك وإخلاصك، هذه «زهيرية» من كلمات أخي وحبيبي مشعل ناصر الحنيف المزيعل مهداه لك:
ياالله تجعل من عقب كل ضيق فرج
انت رب الخلايق وانت والي الفرج
ومن تكدر خاطره يجابل سعد الفرج
يزيل عنه الهم في ضحكته وتمثيله
وافي ولا جا في العرب منهو مثيله
من عاش بالفنطاس يذكره عند الثميله
سعد اسمك فرح وقربك فيه الفرج