أحيانا ونحن نسرد مشاعرنا، نسرد معها أفكارنا، حكاياتنا، تجاربنا، ونعبر نوعا ما عن ذواتنا، وما يختلج فيها، وعن رؤيتنا لكثير من الأمور، خاصة تلك المتعلقة بحياتنا.
مشاعر تجعلك تجاور هواجسك رغما عنك، وتستسلم طواعية لتتلصص على قلبك، وما ينبضه من إحساس معتل متذبذب.
وكعادتها الأيام دائما تفاجئنا، بما لا يخطر على بالنا ولا عقولنا، كما فاجأتنا للأسف بذلك الذباب الرجس القذر، الذي شكل على هيئة بشر، ذباب يجعلك تائها ما بين الصدمة والدهشة والوجل، ذباب مليء بالخبث العاصف، لا يعرف نسيم الفجر.
بالأخص حينما تدرك متأخرا، بأنك أخطأت في حق كيانك ونفسك، ودست كثيرا على كرامتك، عندما سعيت بملء إرادتك، وحاولت بنقاء نيتك، وتواصلت بصفاء باطنك، وتعاملت ببياض قلبك، وبادرت بطيب روحك ومعدنك، لأشخاص مرضى، مهانين، غير أسوياء، أشخاص لايزال النقص المعزز بخصال الحقد والنجاسة والضغينة، معششا في افئدتهم.
فكخصال الذباب أصبحت خصالهم، والذي هو من جنس الحشرات النجسة، الرذيلة، التي لا تدرك تصرفها، لأنها منعدمة الشعور والإحساس والضمير، مع شيء من حس البلادة وجمود العقل، وثبت عن النبي ﷺ أنه قال «إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه ويلقه»، أي أن الذباب في كلتا الحالتين يعتبر داء، لأنه يحمل في آن واحد الجراثيم وبكتيريا (فاج) التي تهاجم هذه الجراثيم.
وفي زمننا هذا، زمن الكبر، والنكران والرياء، صار حتى الإخوة والأخوات فيه كالأعداء بالنسبة لك، كلما ركنت لهم، زادوك هما، وحزنا، وبهتانا، فتكتنز كثيرا من تصرفاتهم وأساليبهم، والتي توضح لك مكانتك عندهم.
فلقد ظنناهم عزوة لنا، وعلى قلب واحد سيكونون معنا، إلى أن تضخم خذلانهم بداخلنا، فأيقنا، بأنهم لم ولا ولن ﻳﺘﺄﻗﻠﻤﻮا مع نصاعة وجمال أرواحنا.
ورغم ادرائك لهم، تجدهم في المقابل يناقضون أنفسهم بأنفسهم، ويضعون اللوم عليك لا عليهم، لأنهم لم يعتادوا على الخلق الكريم، وفضله العظيم.
فمن البديهي جدا، تجدهم لم يبادلوك، وفي دوامة الحيرة والاستغراب يوقعونك، لأنهم كارهين لك.
تتغافل، يتمادون، تتجاهل، يتهاونون، إلى أن يفجروا كومة الارتطام الضائع بك، فيعكرون مزاجك ويهملون، وبعقولهم وغيهم يغايرون الحقائق وينكرون، وبأشياء ترادف فوضاهم يكذبون.
فلا لوم عليهم لطالما تراهم يقدسون من بأقدامه يدوسهم، ويبجلون من كالنكرة ينظر لهم، ويحترمون من باحتقار يعاملهم.
لذا هم لا يريدون أن يروك إلا بنصف عين، ولا يريدون أن يسمعوك إلا بنصف أذن.
لكن، الحمد لله وإن خاب مسعانا معهم وتآسينا، إلا أننا تعلمنا كيف أن نوطن أنفسنا، بعد كل خساراتنا وبعدهم.
«فكم نقية أنفاسنا أصبحت دونهم».