لو بنينا النعم التي أنعم الله بها علينا، على قاعدة صلبة قوية بداخل ذاكرتنا، وعمق ذواتنا، لتخلصنا من تذمرنا، واستطعنا أن نتقبل ذلك الجزء غير المرضي من حياتنا.
قليل من الوقت فقط، لو قضيناه في تأملها، ووضعناها أمام أعيننا وان كانت بسيطة، فسنستشعرها حقا وستغرقنا بامتنان عظيم.
لكننا أحيانا نأبى الاعتراف بها، أو الالتفات إليها، بسبب انعكاس بعض آمالنا وضياع أمانينا، إلى أن تحولت تلك الآمال والأماني إلى شيء خلف دمارا كبيرا في جنبات قلوبنا، وأعمتنا عن نعم كثيرة بين ايدينا، كان يتمناها غيرنا، ونحن لم نشعر بها، وبلا جدوى هدرنا كل أوقاتنا عليها ولحظاتنا.
آمال تحطمت، وأماني تلاطمت واندثرت، إلا أن هذا لا يعني أن ننسف إيماننا بالله سبحانه وتعالى، ونحطم أعمارنا وننهيها، فلقد قال عز وجل في كتابه العزيز: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم)، بل من المفترض أن نفتح عقولنا على أفكار وآمال وأماني أخرى جديدة، ونلتفت إلى تلك الجوانب التي ربما كنا متجاهليها أو متناسيها، ونفرغ قلوبنا من التعلق بالخلق وبالأسباب، ونملأها ركونا إلى الله جلا وعلا، لنتخلص دون تردد أو تذبدب من كل ما يذبلنا ويلوينا، بخلاف أن ذلك سيكسونا قناعة بجمال ظاهر يعترينا.
تجعلنا نعجز عن تعداد النعم فضلا عن القيام بشكرها، يعوضنا بها الله، ليلهمنا وينسينا.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم لك الحمد غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغنى عنه ربنا»، فليس بالضرورة كل ما نريده ونأمله سيفرحنا، وسيرضينا، وسيريحنا.
فقد يكون كخوص محور كالشوك، كلما تمسكنا به اكثر واقتربنا، وكلما استمتنا للحصول عليه، اغرقنا في وحله المليء بالصراعات والملابسات الغريبة الغامضة.
لذا، اراد الله سبحانه وتعالى أن يبعده عنا، ويخفيه من حياتنا، رحمة بنا، ورأفة بإحساسنا.
فلا مفر من المرور بأيام صعبة، قد تشعرنا بسخط حاد، وغضب شديد، فنحن بشر وتنتابنا مشاعر مختلفة ومختلطة كـ «الحزن، الفرح، القلق، الغضب، الحب، والسعادة»، لكن يجب على مشاعرنا ألا تنسينا لطف الله سبحانه وتعالى بنا، الذي لولاه يستحيل أن نصل إلى سلامنا الداخلي مع انفسنا.