جميعنا نعلم أن العقل البشري يمكنه فعل أشياء لا تحصى ولا تعد، كون انه لا يوجب التعدد في ذاته، فلا حدود (لعلمه، أسراره، أفكاره، أفعاله، طموحاته وعمق مكنوناته). لذلك قد نلاحظ فيمن يطلقون العنان لأنفسهم أنهم يفاجئوننا فيما بعد، بقدراتهم وعبقريتهم، ليؤتونا بتلك النتائج التي لا مثيل لها، من شدة إتقانها.
ذلك لأنهم صقلوا مكنوناتهم، بطريقة مدروسة متقنة، فقدموا لنا، تحفة ثمينة فاخرة، حققوا من خلالها ماكانوا يسعون لأجله، فانتفعوا ونفعوا بها.
فعلى سبيل المثال، لو تطرقنا لـ«ابن سينا» الذي كان من أعظم الأطباء المسلمين في التاريخ، ومن أكثر الأشخاص معرفة: بالعلوم القرآنية، الفيزياء، والرياضيات والفلسفة، وايضا كان من الذين لا يكتفون بعلم واحد فقط، بل يجتهد دائما للتزود بالكثير.
ما يجعلنا ان نتساءل احيانا، لماذا اذا كنا نسمع كثيرا، مقولة: «صاحب الصنعتين كذاب»!؟ لطالما كان اغلب اولئك الذين حولوا مسار التاريخ «من الى»، من أصحاب الصنعتين والثلاث، ولربما أربع!
فيستحيل أنها قيلت عنهم، أو عن من ينتهجون نهجهم، بما انهم يعتبرون، من الفئات القاطرة للتقدم والتطور والنهوض، والتي دائما ما تترك خلفها، بصمة نافعة بكل المقاييس.
ولكنها بلا ادنى شك، لم تقل عبطا ايضا، فلابد من ان المقصود بها، فئات أخرى، فئات مختلفة بمسارها، كاختلاف التنوع واختلاف التضاد.
سواء كانوا علماء، نشطاء، مشاهير، فنانين، اعلاميين، سياسيين، رياضيين، رجال دين، أكاديميين... الخ.
والذين يفترض أنهم يملكون عقلا بشريا، من خلاله يمتهنون ما يحبون مما يناسبهم، ليأتوا بكل ماهو مشرف، سام ونبيل.
لكنهم للأسف هم كالاقصاء والأدلجة، عقولهم مهمشة، متحجرة، فارغة من الداخل، صنفوا أنفسهم تحت خانات متعددة، تجعلك بمجرد ما ان تنظر اليهم، سرعان ما تتراود الى ذهنك، تلك المقولة.
لأنك ذو خبرة بهم وبواقعهم، الذي لا يعكس خبراتهم التي يطرحونها، والتي تختزن رصيدا هائلا، من وصوليتهم وانتهازيتهم.
فهم يصولون بلا فائدة، ويجولون بلا علم ولا اعلام، لا خلق لهم ولا حذاقة، لا فن يمتلكونه ولا استنباط، كالبقرة «الشقراء» التي كانت ترفع ذيلها، وتركض مسرعة وراء تلك الخيول، التي بمجرد ما يطلق الفلاح عنانها، كي يدربها، ليندهش من بقرته «الشقراء»، وهي تقلدهم، فصار يردد قائلا: «مع الخيل يا شقراء»، والتي اصبحت مضربا للمثل، لكل شخص يحاكي ويقلد غيره، فيما يقول ويفعل، ليكتسب القبول والاحترام، من خلال هوسه بفرض نفسه على الآخرين.
ذلك كونه انسانا مختنق تحت وطأة احساسه المزمن، بلا معنى الأشياء، كما قال الأديب الأردني والكاتب الصحافي ابراهيم العجلوني.