قد يملك أغلبنا فراغا ما في حياته، يشعره بالعزلة والوحدة يطوقه، وبالرغم من أن الوحدة قد تكون أحيانا افضل بكثير من ضوضاء الناس وهم بيننا، إلا أن البعض يخشاها ويتأزم منها، فيحاول بقدر المستطاع أن يملأها، بكثرة المعارف والصداقات، خوفا من أن الوحدة بالكآبة تحاصره.
ذلك بسبب تعطشه للاحتواء والاهتمام، الذي يجعله باحثا عن الحب والسلام، ليحيط به من كل مكان.
ومن شدة تعطشه ولهفته، تراه بشتى الطرق يحاول ان يكون محاطا بالناس، ليعوضوه وبالاحتواء يشعروه.
لكن، ليس بالضرورة أن ينسوه شقاء الأيام ويسعدوه، بقدر ما سيزيدون حياته قبحا ودمامة، فينصب عليه التنديد والتبكيت والملامة من جديد.
لأنه قد يكون هؤلاء المعارف والصداقات الذين سرعان ما ادخلهم في حياته، أكثر تنفجا وخديعة، ممن كانوا قبلهم.
ويرجع ذلك بسبب استعجاله وتخوفه، فيجني دون إدراك على نفسه، ويصبح كالخيط الذي يشد به فم السقاء.
ليعود كما كان، حائرا في علاقاته، ضائعا ومتخبطا بين صداقاته، ما سيجعله منهارا، مهزوزا، فاقدا للثقة، لأنه استبدل ملامح تلك الوجوه القديمة، بملامح وجوه جديدة، دون أدنى وعي أو تفكير، فأهدته التلاشي والضياع، على طبق من ذهب، ذلك لأنه لم يعط لنفسه المساحة الكافية التي يحتاجها، ليراجع حساباته، ويدرسها بتريث دراسة متقنة، كي لا يحبط ويخذل مرتين.
فلعله كان يحتاج لمضاعفة حذره وحرصه، أو يحتاج الى أن يتغلغل داخل نفسه ليختلي مع الهدوء والصمت والسكون الدفين.
ليعرف ماهيته ووجوده، وليكون اكثر فهما وتحكما في نقاط ضعفه، ليصبح مهيئا لمواجهة كل ما يشوش ذهنه ويكسر ثقته، وقادرا على كل ما يخدش جوارحه ويعيق عواطفه.
فيصنع لنفسه فيما بعد سياجا عالية، بكل دقة وإتقان، كي لا يستطيع كل من «هب ودب»، الوصول إليها، ويكون سهل الملاذ، ويقع ضحية مرة أخرى، تباغتها الرياح من كل حدب وصوب، وتسهكها سهكا.
فبإمكانك ملأ فراغك، بالترويح عن نفسك، بعيدا عن البؤس والتشويش التام، بعيدا عن الضجيج والاستعجال والأوهام.
فأحيانا، تقاربنا وتواصلنا مع البعض، يملأنا بالحمل الثقيل ومن الضغوطات الكثير والكثير، لذلك لا ضير بأن تروح عن نفسك، من آن إلى آخر، كي تتأنى بالاختيار.
فقد يكون كل ما تحتاجه، هو صفاء ذهن، زائد فكر ممهور بالفطنة والذكاء، يدلك على كل ما هو خير لك ولنفسك.