وبكثرة عفوك اللامتناهي أحيانا وتسامحك، قد تعطي انطباعا عند مرضى النفوس والعقول عنك، بأنك شخص لا كيان لك.
وكما قيل: «حين علموا أن فيك من عفو يوسف، رموك في البئر كثيرا»!!
فلا أحد في هذه الدنيا، يتمنى أبدا، أن يداس كيانه أو يهان، فالكيان اعظم ما يمتلكه الإنسان.
ومن دون شك، يرجع السبب في ذلك، لأنك في عين نفسك نظرت لهم، وكانعكاس شخصك ظننتهم.
معتقدا أنك إن عودتهم على لين طباعك، ستحظى بمكانة عالية ومباركة في قلوبهم، وعلهم يخجلون ولو لمرة واحدة من أنفسهم، او حتى من تصرفاتهم معك.
لكن، ثق تماما بأنهم سيكونون على العكس، ذلك لأنهم ضمنوا عفوك وسماحك، فأصبحت صنما لا ينفع ولا يضر في نظرهم.
وما الطامة الكبرى، إلا إصرارهم الغبي، على أن الحق دائما معهم لا معك.
أنت واقعي، تتمتع بالموضوعية والحيادية معهم، عاطفي، تحبهم وتحرص كل الحرص على ألا تخيب ظنونهم، متمسك، لا تريد أن تنطفئ شمعة علاقتك بهم، صبور، تتحملهم وتسايرهم، كريم، مسهب في عطائك الدائم لهم، خائف وقلق، بأن ينتهي هذا العالم دون أن تشبع من رؤياهم ومنهم.
إلى أن يوصلوك هم إلى لحظة الذهول، لتجد نفسك فجأة، تستنشق هواء وحدتك بمفردك، بعيدا عنهم.
يقال: «أحيانا لكي تفهم جيدا، لابد أن يزلزل كيانك صدمة ما، بحجم هذا الفهم»!!
صدمة: بعد أن تزلزل كيانك، ستجعلك مجبرا على أن تقف وقفة جادة مع ذاتك، وستعطيك درسا عظيما، يساعدك على إيجاد جميل اتجاهاتك، والتي بها ستغير مجرى حياتك.
صدمة: تحمل في فحواها رسالة تقول لك، حان الوقت لتتوقف عن القيام بكل تلك الأمور، وبتقديم كل تلك الأشياء، والتي من خلالها أكدوا لك، أنهم لم يؤذوك، إلا برضاك وإرادتك.
ولكن كن متيقنا أيضا، من أنه على الرغم من تلك المساحات المتآكلة والصدئة التي تغلغلت بك، فإنك ستكون فيما بعد سببا رئيسيا في تغيير جزء كبير من كينونتك.
جزء سيقويك وينهضك، وهالة من الفخامة والسمو والوقار سيمنحك.
ولأن الأمور تؤخذ بخواتيمها، فكل ما يعترينا في معظم المواقف من إيلام ووجع، يختبرنا أولا، ومن ثم ينقينا ويهذبنا ليصطفينا.