وإن قاسيت الكثير في حياتك، فإياك أن تستسلم لاستئثارك وأنانيتك، وتجعله مبدأ رئيسيا من مبادئك، فتكرره لا إراديا مع مرور الوقت في كل موقف يحصل معك، ومع كل شخص يصادفك، لأنك جعلته عادة أساسية من عادات شخصيتك، فتقتل روح التميز والنقاء بداخلك، والتي يفترض أن توصلك لكل فعل سام ورائع، يترك بصمة جميلة من بعدك.
وان قاسيت الكثير في حياتك، فلا تنسى الآخرين وتفضل نفسك عليهم، لاهثا خلف كل معنى يدثرك ويهدمك، ما يجعل أولئك الآخرين يعجزون عن تقديرك وتقبلك، فكم مشمئزا ستكون انت في نظرهم، بخلاف ان اغلبهم كالسلعة الرخيصة سيعاملك، وكالعدو الفاسد سيتصرف معك.
ذلك بسبب عدم تحليك بالقناعة الحقة، التي جعلتك لن ترضى بتلك النعم التي انعم الله سبحانه وتعالى بها عليك، فضيعتك وضيعت ذاتك، وصغرتك وقللت من جوهر كرامتك وكيانك، فصار جل اهتمامك ان تتعدى غيرك بشكل واضح ومنحط ودون وجه حق، وكأن حال لسانك يقول «انا ولا غيري احد»!
وبسبب قانونك الذي اعتمدته في حياتك أيضا، ألا وهو قانون «الاستئثار والأنانية»، والذي جعل حياتك أشبه بالجحيم، بسبب ضعفك وسخطك، بحجة ما قاسيته في حياتك، وما أسوأها وما ابشعها من حجة.
حجة: جعلت منك شخصا ساقطا غير قانع، فاسدا، سيئا غير نافع، شخصا لا يعود يحسب في حياته حسابا للإرادة الإلهية للأسف!
فلا يوجد هناك من هو كامل، ولا أحد يستحق أن يكون كاملا، فالكمال لله وحده، ولكن بإمكانك أن تسير على الوجه الصحيح، وان كنت غير كامل.
فهكذا جرب الشيطان مع سيدنا آدم عليه السلام وأثر به، حين عرض عليه إشباعا أنانيا وتملكا بقدراته الذاتية واغواه، بتلك الثمرة التي حذره الله سبحانه وتعالى بلمسها هو وزوجته حواء، رغم انهما كانا مترفين منعمين في الجنة، يعيشان في نعيم كامل لا يتعبان فيها ولا يشتغلان، لا يجوعان ولا يظمآن، إلا أنهما أمام تلك الثمرة سرعان ما ضعفا واستسلما، ذلك وهما في عافيتهما يمرحان، وفي نعيمهما يسرحان!
فكيف لا يغويك وانت في عوزك وعسرك؟!
ويزرع تلك الخصال بك، وأقنعك قناعة تامة، بأن كل ما مررت به وقاسيت منه، يعطيك الأحقية لتكون على مثل ما أنت عليه الآن!
فأنساك بأن نهايتك ستكون كالسقوط من ارتفاع كبير على أرضية صلبة تهشمك، وبعنف الأهواء ستغرقك، وتبعدك كثيرا عن ربك، ان لم تتحل بإيمانك وقناعتك وعزمك وجلدك.