ما أروع ذلك التدرج بالحجة، حين يحترم كرامة الإنسان ولا يستهين بعقله أو لا يقدره حق قدره، ذلك لو اعتمدنا اعتمادا كليا على مبدأ مهم جدا في حياتنا، ألا وهو مبدأ الحوار الصادق، حين يدور بيننا وبين البشر بشكل عام، والذي يتسم بالشفافية، والقائم على الاحترام.
حوار غير متخبط عقلاني بسيط وواضح المغزى، بعيد عن المثالية الزائفة، ناجح بطريقة ﻣﺘﻜﺎﻓﺌﺔ، مرن، منفتح، مقنع ولبق مع كل الأطراف.
حتى وإن تعلق هذا الحوار بالردود والأجوبة، ذلك من خلال الأخذ والعطاء في الكلام فيما بيننا، فيجب أن تكون ردودا مفحمة وأجوبة ذكية مفعمة، لا تستخف بالعقول، ولا يستأثر بها أﺣد أبدا، وان اختلفت توجهاتنا وخلفياتنا، وإن تشعبت مشاربنا ومفارقنا.
فهو مبدأ عظيم ذكره لنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، في كثير من نصوصه القرآنية، وحاور سبحانه وتعالى من خلاله «الأنبياء، الخلق، الجن، الملائكة، وحاور إبليس». وما أكثرها تلك المشاكل التي تعترضنا، وتؤثر على حياتنا ونفسيتنا، نتعايش بشكل شبه يومي معها، تحتاج لمثل ذلك المبدأ بشكل واسع وعميق، بعدما أصبح الكثير للأسف يفتقر إليه، ولا يستطيع حتى التعبير بطريقة صحيحة عنه.
فمن خلاله سنحترم الآخرين وسنحترم اتجاهاتهم وقيمهم وممارساتهم، وسنستوعب اختلافاتهم، كما نريدهم أن يحترمونا ويستوعبونا، والأهم من ذلك هو أنه حين نتقن فنونه، سيعطينا قيمة كبيرة لذواتنا، وسنكون مهيئين مع أغلب مشاكلنا التي تطرأ علينا بشكل مفاجئ أو أن تكون من شخص غير متوقع، إلا أننا سنستقبلها بصورة قوية وبثقة أرفع.
ومبدأ كهذا لا يصلح بتاتا لأؤلئك الذين لا تحدوهم رغبة حقيقية نحو الدخول في حوار صادق وصريح، كونهم مغرمين جدا باللف والدوران، والمغالاة في الكذب والتلفيق حول أي موقف أو مشكلة، وكما قال المفكر/ طه عبدالرحمن: «الحوار شيء أساسي في تطوير معارف الإنسان».
لذلك باستطاعتنا أن نحقق به أشياء قد نكون فقدنا الأمل والروح اﻹيجابية فيها، وسنفهم تلك اللخبطات وبعض التناقضات، التي كنا عاجزين عن استيعابها، وسنملك القدرة على توصيل اعتقاداتنا وأفكارنا واختياراتنا، خاصة في تبادل آرائنا، وسنصل إلى حلول إن لم تكن منصفة نوعا ما، لكنها ستكون على الأقل، مرضية وغير مجحفة في حقنا.
فهو أسلوب حياتي تهذيبي ممتع، من دونه سنتوه بين حقائق ناقصة ومحيرة، وسنضيع بين عدالة مبتورة ومشوهة، وسنتشتت بين تلك الهمهمات الغامضة.