حين ترسم حدودا لنفسك تقف عندها، وتدرك تلك المعالم التي يجب أن تنتهي إليها، ستتخلص من كل الهنات التي دائما ما تزري بك، ذلك من خلال تراكم خبراتك والتي يفترض أن تستفيد منها.
فمعظم الأمور التي تتداخل في حياتنا، وكانت موضع اهتمامنا وهمنا، شدت أعصابنا، شغلت بالنا، هي نفسها التي أثرت على أفكارنا ونفوسنا وقلوبنا، إلى أن صرنا حبيسي أوزارنا.
فأصبحت كالرواسب جعلتنا نختبئ في أعمق زوايانا، نبحث عن المصداقية بكل شغف، وعن أولئك النفر من الندر، الذين نتطلع إلى أن نكون مثلهم، والذين دائما ما يؤازروننا نفسيا وأخلاقيا من بعد الباري سبحانه، وهم الذين نستمد منهم وهج الأمل واللطف والمودة، بوجودهم نشعر بأن دنيانا مازالت بخير، فحين دخلت امرأة من الأنصار على السيدة عائشة، رضي الله عنها، في حادثة الإفك وبكت معها كثيرا دون أن تنطق بكلمة، قالت عائشة: لا أنساها لها، فبتدفق فيض المؤازرة تتذوق طعما مختلفا، طعما يشعرك بشعور مختلف جدا، لا تنساه طوال حياتك.
بخلاف أن بصحبة أولئك النفر نشعر بأنفسنا، وتشع الإيجابية والحيوية منا، وثمرات الراحة تغمرنا، فهم خليط استثنائي رائع يملكون من كرم الخصال ومن كل معنى لطيف ما تعجز عن وصفه، عقولهم نامية وعن التفاهات مترفعة سامية.
لذلك هم من الندر، متفردين في آرائهم وأحكامهم، راقين في تفكيرهم، مرهفين بمشاعرهم، عاطفيين معنا.
بوجودهم تتغير طواعية، ولن تبالي بعدها او تتأثر بآراء ونظرة الناس من حولك، لن تقلق أبدا مثلما كنت في السابق، أو تتأزم على أشياء ظننتها في يوم من الأيام من أهم أولوياتك.
ذلك لأن سيستوطنك ربيع أرجواني يزهر في قلبك، وبإحساس بعيد يأخذك، يحيل كيانك إلى عالم آخر ترتاح وتطمئن به روحك، عالم هادئ، جميل، من معظم المشاكل سيجنبك ويبعدك.
ستعتمد عليه بصورة غائرة، لأنه سيطلق عنانك، وسيزيل السلبية من قاموس حياتك، سيقلل من غضبك تجاه ما يستفزك وباستمرار يسيء لك، وتجاه كل من يحاول بشتى الطرق كسرك، يتصيد زلاتك ويحرض ضدك.
ليوصلك هذا لاستنباط ما، وقناعة حتمية مفادها، ان اللامبالاة والصد عن بعض البشر، الذين لا خير ينفع معهم ولا بر، هو افضل ما تتخذه لتحظى بالمرونة الرفيقة والسرر.
غالبا ما كنا نخاف أن يروننا غير جديرين، أو غير مستحقين، وعلى رضاهم ورأيهم كنا متشفقين، وهم أسوأ السيئين.