لا تطل البقاء في مكان لا تشعر فيه بقيمتك، مكان بدلا من أن يسعدك يتعسك، وللثقة بنفسك يفقدك، فتأكد أنك لست بمجبر على هذا البقاء، مهما بلغ السبب وطال بك العجب.
ولست بمجبر أيضا أن تطيل في إسرافك بوقتك وتماطل، كي لا تخسر ماهية شخصيتك، فتضطر لأن تكذب وتماثل.
فكونك متعاطفا، متغاضيا، متسامحا، ولمشاعر غيرك مراعيا، فهذا لا يعني أن تبخس حق نفسك وذاتك، وتشتت كيانك، من أجل أمور لا تستمد منها سوى ضعف حيلتك وفقدان بصيرتك، وزيادة على ذلك تنهمك في نهمتك، وتجعلك تخسر نقاط قوتك، ليرتفع مدى توترك، ويزداد أكثر وبدرجة عالية توهانك.
احرص على أن تكون في مكان يمثلك، مكان تجد فيه راحتك، وتجالس فيه أناسا تشعر باحترامهم لك، وبشدة أهميتك عندهم، واختر دائما الطريق الذي يرتقي بك، الذي ينمي سماتك، ويعزز صفاتك، بدلا من أن يحبطك.
يقال: «إذا توقفت عن التعلم من خلال كل ما مررت به فسرعان ما ستكون عتيق الطراز»، أي لن تتطور، لن تزدهر، وستبقى في مكانك تتمحور.
وتذكر أنها (دنيا)، ستفارق، ستحب، ستفرح، ستحزن... إلخ، وقد تذهب بعيدا أحيانا رغما عنك وتنعزل، ومن ثم تحاول أن تستجمع قواك لترجع من دون أن تنخذل.
وقد تريك هذه الدنيا أحيانا حقيقة ذلك القريب الذي وعدك بأنه سيكون بجانبك ولن يتخلى أبدا عنك لتجده فجأة يتلاشى من أمامك شيئا فشيئا، وبلا وصال كالسراب يصبح، وقد تبين لك أيضا معدن ذاك الغريب الذي يأتيك من بعيد، وبكل حفاوة وحب سيحتويك، وبالاحترام سيغمرك، وبجانبك سيكون بالشدة قبل الرخاء، معك لن يتركك، وكما قيل: «من لا يطرق بابنا والروح ترتجف لا مرحبا به والنبض منتظم».
فهي لم تسم (دنيا) إلا لتدني منزلتها عند الرحمن سبحانه بسبب تقلباتها وغرابة أحوالها، فكن ذكيا وتعلم أنك لست بملزم تقديس وإكرام أي شخص في حياتك مهما بلغت مكانته في قلبك، وكن لماحا واعرف كيف تحلل أمورك وكل ما يدور حولك، ولتكن لك كلمتك، وقناعتك، وحرية رأيك، ولا تكن لطيفا أكثر من اللازم كي لا تكون مغفلا في نظر الغير، فقط لتحقق توقعاتهم المثالية عنك، وكل ما يريدونه هم منك.
وتحاش أولئك الذين بالأرقام تزيد أعمارهم، وتتقلص عقولهم في المقابل وتصغر، تجاهل من يتعمد فهم كلماتك بسوء نية، من دون أن تعكر مزاجك لتبرر له وتنهر، اضحك من صميم قلبك، على من يتقن دور الضحية، وبالخفى هو ينهش بمخالبه وينخر.
وكي لا تضيع في دوامتها وكل أمورك كلها بيقين تام لله سبحانه، لتمض بها من دون أن تهلك بالتفكير عقلك، واصنع محيطا خاصا بك ذا مناخ خلاب مترف مرفه لك.