ما أكثر الذين يتلذذون بل يستمتعون بالاصطياد في الماء العكر، غير مبالين بما توسوس به نفوسهم من مكر وأنانية، وغير مهتمين بما يحيكونه من كلام فارغ لا قيمه له، فقط ليجاروا به من يثق بهم وبكلامهم.
وما أكثرها تلك اللحظات التي رأينا من خلالها كيف للإنسان أن يهدم ودون أدنى وعي نفسه بنفسه، إلى ان فقد احترامه ما بين ناسه وأهله، ومن ثم يرمي ثقل غله على كاهل زمنه، فقط ليوهم من يصدقه بتلك المتاهات التي لا مخرج منها، ولا ذنب للأسف يشعر به ولا ندم.
يعتقد بأنه سيعمر في هذه الدنيا ولن يموت، ولا حساب هناك ينتظره ولا عقاب، عشوائي المزاج، ووجد في المقابل ذلك الساذج الذي يصغي بكل اهتمام له، فساعده على الخراب والتمادي بفرض سلوكه السيئ وسيطرته، فصار يمشي متجبرا، متكبرا، نافشا ريشه على من هم حوله، لا تنقصه سوى مقولة فرعون حين قال: (أنا ربكم الأعلى). لذلك تجد اغلبهم لا يزنون حجم كلماتهم وثقلها على غيرهم، ولم يضعوا لها أدنى اعتبار!
ويراوغون عند المواجهة وينكرون، وبأغلظ الإيمان يقسمون، وما ذلك إلا دليل واضح، يثبت لك بأن نباحهم أسوأ بكثير من عضتهم.
والطامة الكبرى حين تجدهم يتبجحون في أمور الدنيا والدين وعن ذلك الخلق العظيم، وبعلو نبرة صوتهم يناقشون وينصحون، وعلى التواضع دائما يحثون، وهم وبكل صلافة عين لا يوزعون ابتساماتهم، ولا يمارسون احترامهم، إلا على حسب تفاوت الناس في مقاماتهم.
فلا تدري عن أي دين وعن أي تواضع وعن أي أخلاق يتكلمون؟! لذلك يقال:
«الضرب في الميت حرام»، هذا لأن معظمهم عبارة عن جسد بلا روح، لا نقاش ينفع معهم، ولا ضمير حي يؤنبهم، ولا مشاعر حية تحركهم، فهم ومن على شاكلتهم لا يستحقون إلا ان تهمشهم.
فالتهميش هو الدواء الأفضل والأنفع لهم، أو أن تضعهم كما قال الأديب حسن الألمعي:
«بمنطقة غائمة وخاملة، وبمكانة غريبة والتي لا يعرفون بها هل من حقهم الاقتراب أو التراجع؟ هل هم بين العفو أم الرفض؟».
وتذكر أن لكل شيء حدا ونهاية، ولكن ليست كل نهاية نهاية، فهناك نهاية مميزة تمتلك وجها مميزا بديعا لا حدود له، نهاية تشعرك فيما بعد بأنك في اجمل بداية.