لو وازنت بين جميع أمورك، كـ «مشاعرك، غرائزك، دموعك، ضحكاتك، إحساسك، انفعالاتك.. إلخ»، لن تخسر أبدا قيمة ذاتك، بل ستكون من القادرين على الاستمتاع بحياتك، ستعتدل توقعاتك، ستخف ضغوطات عقلك وأفكارك، ستهون عليك اضطرابات قلقك ومعظم مشكلاتك، وستقلل ايضا من زحمة تخيلاتك، وستكون محظوظا للغاية، بذلك التوازن الذي لن يجعلك متشبثا كالمشلول في مكانك، تائها ما بين التفكير السلبي والإيجابي، ومشتتا ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وذلك لما له من أثر فسيولوجي نفسي كبير عليك.
فأحيانا الجانب الناقص يملأ الجانب الكامل، لذلك لو خلقنا نحن كاملين مكملين، لا ينقصنا شيء، غارقين في النعيم، مستمتعين في جميع ملذات الحياة بكل ما فيها فرحين، لا حزن، لا هم، لا غم يصيبنا، لا نقص او فقد او مرض يعترينا، فلن نشعر بقيمة ولذة حياتنا التي نعيشها.
وإلا كيف سيكون حالنا اذن؟! وكيف سندرك إنسانيتنا، وكيف نشعر باحتياجاتنا ان لم يكن هناك ما ينقصنا؟!
فسنصاب بالبلادة والجمود والروتين الممل، لا شيء يحفزنا، او يحرك ركودنا، ستتشابه أيامنا، وسنفتقد رحيق حيويتنا وإبداعاتنا، سيموت شغفنا وتعطشنا، ستتبخر آمالنا وأحلامنا، وستركن على جنب طموحاتنا، ولن نجد ما يستحق السعي إليه والعيش من اجله، وسينطفئ بريق رغبتنا الجامحة، وفي المقابل لن يكتمل وجودنا، لأنه لم يصبح للحياة معنى، وسيبهت كياننا.
هذا، وبخلاف أن هناك الكثير من الظروف لو لم تعاكسنا، لما أصبحت بمنزلة بوصلة من خلالها عرفنا صحيح دروبنا، ولما استطعمنا نتيجة لذة صبرنا وتحملنا، ونجاحنا بعد فشلنا، عافيتنا بعد مرضنا، فرحنا بعد حزننا، تماسكنا بعد انهيارنا ولملمتنا بعد انكسارنا.. إلخ.
فكل تلك الأمور هي وحدها من تصنعنا، ومن جديد تعيد تشكيلنا، تعلمنا، توجهنا، تبدد وهمنا، فتجعلنا نواجه وبكل شموخ حقيقة ما مررنا به في واقعنا.
يقول أبوالعتاهية:
حلاوتها ممزوجة بمرارة،
وراحتها ممزوجة بعناء،
وما كل أيام الفتى بسواء،
وما هو إلا يوم بؤس وشدة،
ويوم سرور مرة ورخاء،