يقول الأديب محمود درويش:
وإن أعادوا لك الطريق فمن يعيد لك خطاك؟
وإن أعادوا لك صوتك فمن يعيد لك الكلمات؟
وإن أعادوا لك المقاهي القديمة فمن يعيد لك الرفاق؟!
وهناك الكثير والكثير الذي نتمنى أن يعود مثلما كان.
فثمة أشياء حين نستطردها تجدد فينا ذلك العبق القديم والذي دائما ما يذكرنا إما بـ«أشخاص، أيام، أوقات، أماكن، أو لمحات خاطفة»، وإذا رحلت عنا فعلا، إلا أنها بقيت محفورة في جدران قلوبنا، لما تحمله من طيف واسع يضم اجمل اللحظات التي لا تنسى، وبوهج صارت تلوح بين قبضات أيادينا.
رحلت بعبقها الجميل بعجلة الزمن إلى الوراء البعيد، رحلت بعنفوانها، ببساطتها، بعفويتها، وبتفاصيلها ظاهرا ومضمونا، بعدما تسللت ببهجتها أرواحنا والتي كانت دائما ما تسعدنا.
وان حملت بين طياتها بعض الحزن والحسرات، إلا ان عمق جوهرها ظل باقيا على ذاته، بعيدا عن التغيرات الحياتية الكبيرة التي طرأت علينا، وبعيدا عن ألاعيب الزمن وتصرفاته المبهمة الغريبة.
وما نتمناه هو ليس بأن نبقى على تقوقعنا بلا حراك ساكنين، او نلهى في دنيانا بلا معنى غير مبالين، ولكن بأن نغير، نرتقي، نجدد، زائد الأخذ بكل ما هو جميل، جار عليه زمننا الحالي فغيره وأمحاه كليا، وكأنه لا ينتسب إلينا أو حتى يمثلنا، فلا شيء يمنعنا بأن نحافظ على جمال بريقه وتألقه بجميع حذافيره، وإن تطور الزمن بنا وطورنا، في مختلف مجالاتنا، ولا شيء يعيقنا بأن نستغل ما نملكه من مساحات في حياتنا لنملأها بجميل مستنسخاتنا القديمة، كي نستلذ بها اكثر مع حاضرنا، لا ان ندفنها بعقم تصوراتنا وتصرفاتنا وفكرنا.
الكثير منا أساء التقدير، فجعلها مهملة، مركونة، وكأنها ماض مرير، بالرغم من إدراكنا لروعة حقيقتها، وتميز نكهتها الخاصة ولذتها، إلا أنها أصبحت الآن للأسف كما يقال:
«نقوش على قاعدة تمثال».
لذلك نحن إليها ونشتاق، وبنفس الوقت نفتقدها، وبين الفينة والأخرى نعيد كلماتنا المعهودة ونكررها، ليتها ترجع وتعود، فلقد كانت أروع أيامنا آنذاك، وحينها كنا كذا وكذا وكذا.. إلخ، وكما يقول: المثل الشعبي المصري «من فات قديمة تاه».
فليتنا نحاول بقدر المستطاع ان ندمجها مع حاضرنا كي لا نتوه اكثر، ونجعلها بمنزلة رتوش تتألق بها حياتنا، لنستعيد معها إيجابية فلسفتنا، ليتنا استلهمنا عنفوانيتها بأفراحها وأتراحها لتواكب زمننا، لنشعر بالسلام الداخلي ولنتحلى بالقناعة والغنى، ونعبر حينها وبكل رضا عن حقيقتنا وحقيقة شخصيتنا.