يقول أمير الحاج الحلبي: في الاتصاف بالفضائل والكمالات، وفي اظهار التكلف والتصنع، بأنه اعتقاد ما ليس قادحا في الجرح، والعدالة لا تنفيه، اي ان مهما حاولت أن تكون كاملا مكملا من خلال تكلفك وتصنعك، لتنفي بعضا من معاييرك او عيوبك او اخطائك، تأكد بأنها ستظهر في يوم ما، ومن دون ان تدرك.
ولكن الكثير يتجاهل تلك النقطة، وبكل صلافة يستمر، لا يهتم ولا حتى يتأثر، وتلك هي طبائع نفوس معظم البشر، كما قيل عنها «ان لم تؤمن بالشيء فإنها لا تهتم ولا تتغير، لأنها على قناعة تامة ويقين بما تقوم به وراضية بما تتصرف وتقرر».
وعلى هذا الاساس تجد هناك فئة كبيرة متمكنة جدا في تجسيد معظم الادوار والشخصيات بإتقان وبسهولة بالغة تبدل اقنعتها، وبرسوخ تام.
لذلك هي تملك تناقضا غريبا ومريبا، في إظهار فوارقها المصطنعة، وفي اظهار «حبها، وصلها، ودّها، مكابرتها، كبريائها، قطعها، انكارها»، على من تشاؤهم من الناس او العكس، كما تمارس احيانا قمة عدلها وانصافها تجاه من هي على دراية تامة، بأنهم سيئون وعلى طول الخط مخطئين.
بخلاف ان تلك الفئة هي اكثر من تصدع رؤوسنا قياما وقعودا بالموعظة التهذيبية السامية وقيمتها، والتربية الصالحة وفائدتها، والأحكام العقائدية ووضعها في صحيح نصابها، والإرشادات التقويمية والامتثال لها.
تثرثر ليلها مع نهارها علينا وعلى غيرنا، وهي تغوص في اعماق مفرطة من ريائها، محتضنة لتلك النقطة الغائرة التي بداخلها، من قباحتها وغبائها.
ودائما ما تحاول من خلال ابعادها الدراماتيكية الهائلة، ان تقنع من حولها بمدى فهمها وعلمها ومعرفتها، وغلوها في مثاليتها وتواضعها، ذلك الغلو المزيف والذي صار ينمو معها في ظل ثقافة ركيكة وهشة، فقط كي تثبت للناس رفعة شأنها وعلو مكانتها.
لذلك كثيرا ما تجدها تتنطع وتتكلف وتسأل جاهدة عن امور ما، لتتأكد من صحتها! لكن ليس لتطبقها للأسف! بل لتأتيك بعكسها، وكما قيل: «اذا كان الكبر في القلوب، والتواضع على اللسان وفي اللباس، هلك الناس».
وليتها كانت تتنطع وتتكلف على حق، لكنها كالزجاج عاكسة، والذي اما ان يكون ملونا في كتلته او معتما، لذلك صعب ان تجد لتلك الفئة شخصيته ذات اطار محدد او معلم.
غرتها النشوة التي تمركزت في وسط صدرها، فجعلتها تخلط عمى قلبها ومماذقتها وتصنعها مع امور كثيرة اخرى ترتكز على مزاجيتها وانفعالها، وذلك فقط لتحقق غايتها الأكثر إلحاحا، ولتحصل على ما هي متشفقة عليه من معاملة خاصة، ذات تقدير واجلال، لتشعر بالسعادة والفرح، ولتثير الزهوة في نفسها بشكل عام، وهذا ما جعل الكثير كان ومازال وسيظل منغشا بها.