يقول أبوالعلاء المعري:
سجايا كلُّها غدرٌ وخُبثٌ تَوارثَها أُناسٌ عن أُناسِ
يهاجرُ غابَهُ الضُّرغامُ كيما ينازعُ ظبيَّ رملٍ في كِناسِ
وتقبُحُ بعدَ أهليها المغاني كقبحِ غيوبِهم بعد الإِناسِ
فكم هناك من تعرض وبشكل متكرر من قبل أصحاب الغيوب القبيحة، لإساءات، إهانات، قذف وتجريحات غائرة متعمقة،
غالبا ما ينعدم علاجها تعيش بداخله.
فهي كما يقال عنها، تحتوي على ثغرة مستوية الجوانب تبدو كالبئر، وذلك فقط بهدف إطاحته ودفنه وتبشيعه.
ليجعلوا من الآخرين حوله وكل من له صله به، نبذه وكرهه، وصرف النظر عنه لغاية ما في نفوسهم.
فهي من أصعب أنواع الأذى، الذي يمسّ شخصك، سمعتك، حياتك، مسكنك وكيانك، كما أنها قد تأتيك أيضا من أقرب
المقربين لك، أولئك الذين لن يفهموا حقيقتك، ما يصدمك ويذهلك، فيجعلك تعيش في صراع داخلي مستمر بينك وبين نفسك.
وبالرغم من ذلك، تحاول انت رغما عنك، أن تكون صلبا، قويا، متماسكا، فتتظاهر باللامبالاة وعدم الاهتمام، بإحساس مليء بالاستغراب!
ولأن هناك من لا يحب العيش إلا منفردا، ولن تكتمل فرحته وراحته إلا من خلال الاستئثار على غيره، تجدهم مستمرين في لغطهم البائس متمادين.
كما أنه قد يأتيك هذا الاستئثار أحيانا من الصديق والقريب، قبل العدو والشخص الغريب البعيد.
فهناك قريب لا يهنأ له بال، ولا يطيب له عيش، حين يرى قريبه يأتي بثمار غنية، لا يستطيع هو ان يأتي بمثلها، او حين يراه يمتلك صفات معينة يجعل من الناس تتباهى به، صفات تميزه عن غيره، سواء من وعي، نضوج، أسلوب، مستوى، خصال روحية نقية، يفتقر هو إليها.
وهناك الصديق الذي لا يحب ان يرى صديقه يتقدم عليه بشيء، مهما كان ذلك الشيء، فتراه ينزعج كثيرا ويضطرب، فينقلب رأسا على عقب، فلا ليله ليل، ولا نهاره نهار!
يسخطون، يستاؤون، وسرعان ما يستسهل عليهم شخصك وعشرتك، ولثقتك يخونون، ودون أدنى إحساس وضمير، هذا وبخلاف ان البعض جعل من تلك الممارسات والتصرفات كهواية له، يمارسها بحذافيرها، بكل متعة وشغف على غيره.
يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : «لا يجتمع في جوف عبد مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم».
فكم من مشاكل حصلت، وعلاقات فسدت، وأحداث طالت بها الأيام تعثرت، وبقدر ما تتغافل انت، تتجنب وتتجاهل، أيضا لم ولن تسلم منهم ولا من مضايقتهم لك.
غافلون ولكن تأكد أن الله سبحانه وتعالى يمهلهم وليس بغافل عنهم، لكنهم في غيّهم يعمهون، لذلك كثيرا ما تجدهم يتمادون ويكابرون، ومن أخطائهم وتصرفاتهم أبدا لا يتعظون. ولأن الحقيقة لا تأتي دوما بتلك السهولة، فوكلها لله سبحانه وتعالى، ولا ترهق نفسك، ودعهم يثرثرون ويقولون ما يقولون،
وكما قال الإمام الشافعي:
أعرضْ عن الجاهلِ السَّفيهِ فكلُّ ما قالَ فهوَ فيه
ما ضرَّ بحرَ الفراتِ يوما إن خاضَ بعضُ الكلاب فيه
وضع في الحسبان انه مهما كان مقدار جرحك وألمك، وان وصلت لنهاية تحملك وحلمك، بأن أكرم الأكرمين معك لن يخذلك، وعاجلا أم آجلا سينصفك.