قال الله تعالى على لسان ابنة نبي الله شعيب في معرض ذكر القرآن الكريم لقصة كليم الله موسى بن عمران: (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)، برهان واضح جلي الحجة، يبين لنا اهم الصفات التي دعا الإسلام للتحلي بها، ذلك لعظم مكانتها، ففعلا من يتصف بالقوة والأمانة، يصبح من الصعب جدا تغييره، او التأثير والضغط عليه، ليغير مع مرور الوقت قيمه، مبادئه وقناعاته، هذا بعكس من يتنازل وبكل بساطة عنها، أمام تلك المغريات اللامعة البراقة، التي تعرض عليه، وسرعان ما أثرت في وجهات نظره وفكره، فاصبح كما الذي ألقى بزهرة جميلة، يانعة، في سلة المهملات، قبل ان تذبل في الآماد أوراقها.
هذا وبخلاف أنك ستكون شخصا متناقضا، متخبطا، يغير بين كل ثانية وثانية رأيه، ذلك الرأي الذي يستحيل ان يخلو من بهتانه وكذبه، لذا تجده على الدوام فاقدا لأمانته ومصداقيته.
فلا تذهل حينها عندما تلاحظ تعارضاته، نزاعاته وكثرة إخفاقاته، ذلك لأنه هو من جعل من سلوكه، سلوكا شبيها بسلوك القطيع، في التصرف والتفكير وحتى في أسلوب التبرير، هذا وما سيؤثر ذلك، شيئا فشيئا على بيئته، مجتمعه ومحيط علاقاته. مجتمعه الذي قد يكون في امس الحاجة له، ولصحوة ضميره.
فيكفينا ما نراه في مجتمعنا، من تقلبات وتعسرات، يستبعدها حتى الفكر العام ويستغربها، تقلبات أرجعتنا وبكل دهاء بديهي، لا عمق له، خمسين عاما إلى الوراء.
فماذا عنك انت؟ وعن عشوائية تغيراتك؟ التي جعلتك بين ليلة وضحاها، تبيع ضميرك، وتتخلى عن مبادئك، وتستبدل كل معاييرك! إلى ان شوهت صورتك وصورة مجتمعك، ذلك فقط بهدف الوصول لتحقيق مكاسبك، التي أعمت قلبك وعينك، وجرفتك لطريق الأنانية والطمع، وفوق ذلك لن تصل إلى الآن للأسف لحد الشبع! فصرت تبحر في مستنقع الجنوح والفساد، تصدح بزيف شعاراتك، التي لن تقيم لها وزنا، ولا حتى أدنى اعتبار.
يقال: حين يتخلى المرء عن مبادئه، ويكون تابعا لمبادئ غيره، حينها الرجولة تنتفي، وحينها تخنق الأصوات، ويكف الناس عن قول الحق، خوفا على أرزاقهم، وخوفا على من يعولون.
وهذا بحد ذاته ما يجعلنا نتساءل فيما بيننا، ما الذي دهانا الآن وبعثرنا؟ وما الذي بدل قناعاتنا وبدلنا؟ ليصبح شغلنا الشاغل هو التركيز فقط على مصالحنا وصبواتنا! غير آبهين بتلك المسؤولية، التي ألقيت على عاتقنا! كما أننا كثيرا ما نتمنى أن يكون هناك أشخاص حازمون، لا يلهثون خلف الوساطة والمحسوبية، صارمون يتسمون بالكفاءة العالية والإخلاص للعمل بجد واجتهاد، ثابتون واثقون، غير متذبذبين.