كثيرا ما ينشغل تفكيرنا، وسرعان ما ننجرف وراء ثقتنا غير المتحفظة ومشاعرنا، فننخدع بجمال الأشياء من حولنا، في زمن أصبحنا لا نميز فيه بين الجميل والقبيح، فنوهم أنفسنا بأن تلك الأشياء جميلة، باهرة ونفيسة، إلى أن تتعرى من شرنقتها مع مرور الوقت، لنكتشف أن معظمها، وليست كلها، كانت للأسف باهتة جدا ورخيصة.
والخطأ كل الخطأ، يقع على تسرعنا في الحكم عليها، دون وضع وقت كاف لها، وقد يرجع السبب في ذلك إلى هشاشتنا وغزارة رهافتنا، وضعف صلابتنا، فنكون كما الذي يبني منزلا على الصخر، بالرغم من جاهزيته ومتانته، إلا أنه قد يكون معرضا، وفي أي وقت، لعوامل خارجية تستدعي صيانته من جديد، لضعف صلابته.
هذا، وبعكس لو عملنا على صلابة أساسنا، لزادت قوة إنضاجنا، وتغلبنا على هشاشتنا
ورهافتنا، ولما استعجلنا في حكمنا، والذي اعتمدنا عليه من خلال قلبنا لا عقلنا، دون
أدنى تردد أو تأكيد، ولتجاوزنا أيضا كل مرير حينها بتداركنا.
فما نحن إلا بشر، عبارة عن روح وفكر، لا نمتلك تلك النظارة السحرية، التي تخبرنا
ببواطن الأشياء من حولنا، وما تحمله في مكنونها، لنتوخى الحذر ونحتاط منها، كي لا نلوم فيما بعد أرواحنا ونؤنبها، على ما اقترفناه في حق أنفسنا.
ولكن قد نكون نحن بأمسّ الحاجة إلى قدرة أكبر على تقييم أدق وفهم أعمق، يساعدنا على التمييز بصورة أوضح، لكي لا نخلط بقيمنا الشعورية وعاطفتنا، ما بين الجوهر والمخبر.
فالحياة ما هي إلا تجارب وخبرات تعلمنا، تحتاج الى نضجنا الروحي ووعينا، لنجدد قدراتنا وتتفتح أذهاننا وبصائرنا، لا أن نيأس ونجلس مكتوفي الأيدي، ننتظر ما الذي سيحدث معنا أو علينا.
فهي تضعنا في مواقف معينة أحيانا، وكثيرا ما تصدمنا، إلا أن بصدماتها تلك، تريدنا
أن نبرمج تلقائيا ذواتنا من جديد رغماً عنا، لنتخلص من وهمنا، والذي كان مبنيا على
انجراف ثقتنا ومشاعرنا، وكما يقال: «الصدمة التي لا تقتل تقوي».
وكي لا نقتل نحن مرارا وتكرارا ونقوى، علينا أن نقتنع أيضا اقتناعا كلياً، بمقولة:
«ليس كل ما نغرسه سنجني من ورائه رطبا»، سواء أكان ما نغرسه هذا يكمن
في عفويتنا، طيبتنا، حكمنا على غيرنا، حسن نوايانا أو سلامة فطرتنا.
لذلك، يجب أن نصبح واقعيين جدا، لنحترز فقط، لا لنتسرع وننجرف.