قال الله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) ـ المدثر:38، فكم هو لافت وجميل، حين يصبح الإنسان منشغلا بنفسه ملتفتا لأخطائه، يرنو إلى إصلاحها، اكثر من تركيزه وانشغاله بزلات وأخطاء الآخرين غيره.
فمن منا لم يخطئ في يوم من الأيام وزل لسانه؟! ومن ذاك الذي لم يكبُ بسبب عثراته واخطائه؟! ومن منا لم يسئ التصرف، حين أثير غضبه وكالبركان انفجر؟! ألسنا ببشر؟!
فلم يعصم الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الخطأ إلا ليعلمنا أن الذنب بلاء البشر، وليس بيننا أحد معصوم منه أبدا.
فهل تعتقد أنك انت افضل من خير البشر؟ أويعقل أنك دائم الدوم على حق وصواب! والبقية غارقون في مستنقعات البلاهة والغباء؟ أرأيت ذات مرة مطرا يهطل من دون سحاب؟
ولكن هناك استراتيجية لهذا الخطأ والبلاء، يستوجب عليك ان تعرفها.
استراتيجية تمكنك بأن تعمل لتصحيحها، لا ان تستمر فيها وتضخمها، كي لا تزيد نارها حطبا، كما انها تعلمك ايضا، ألا تنظر لأخطاء غيرك بتلك الفداحة، ومن ثم تزيدها فداحة، فيكفيها أنها تعطينا فيما بعد، وسع المساحة، بـ (التفكير، والتدبير، تعدد الآراء، استيعاب المفاهيم)، يكفيها أن تحفزنا بقوة على بناء يقظتنا.
فالأخطاء أحيانا رموز وأسباب عديدة ومختلفة، تحمل معها كما هائلا من العواقب الايجابية التي قد لا تتوقعها، عواقب ستنعكس حتى على صعيد محيطك الخارجي، بعيدة عن الضياع، ولا تدل درب الفراغ.
وما أدراك ما الفراغ!
ذلك الذي جعل الكثير من الناس، بلا فائدة، ولا عائدة، سوى انهم يترصدون ويتصيدون لزلات وأخطاء غيرهم، وبكل شغف يتتبعون لهفواتهم، هذا بخلاف تكسدهم وكثرة لغوهم وترهاتهم، فعن محمد بن سيرين، رحمه الله قال: إن أكثر الناس خطايا، أفرغهم لذكر خطايا الناس.
فنحن نعلم أن الارتقاء رغبة جماعية الكل يتمناه، ولكن هذا لا يعني أن تكون شخصا غير صادق مع ذاتك اولا، لتغوص وتدقق هنا وهناك متلهفا على هفوات غيرك، وكأنها أصبحت بمنزلة غاية كبرى بالنسبة لك، تهدف للوصول إليها، كي تدفعك وتحركك.
وياليتها غاية سامية للأسف!
لكنها غاية تجعلك تغرس من خلالها تلك الخبايا في داخلك، لتتكدس وتتكدس، إلا ان تجري كما قال الكاتب علي هاشم، كجريان نهر دافق من رأس جبل نحو واد فيك.
وكن على يقين بأنها لا تدل ابدا على معضلتك، ذكائك، مثاليتك وخبرتك، بل هي برهان واضح يدل على فضاوتك وتفاهتك، وبعض الأحيان تدل على كرهك، حقدك وانانيتك، ما يجعل من نتائجها وتبعاتها تتجلى بوضوح أمام الناس من حولك، وهذا لا يغنيك بتعليل تصرفاتك.