يقول شوبنهاور: «نضحي بثلاثة أرباع ذواتنا لنصبح كالآخرين»، ما يجعلنا ننسى أن هناك أمورا أعمق من ذلك بكثير، أمورا تثير اهتمامك، ترسم أحلامك، تجسد من خلالها بهجتك وبهجة واقعك، وكل معيار يمثل ذاتك وشخصيتك، والتي عادة ما تصاغ وفقا لمعاييرك الخاصة واستنتاجاتك.
فإن كنت تؤمن حقا بقيمتك وأهمية وجودك، كن صادقا أولا مع نفسك، قبل أن تكون صادقا مع غيرك، أظهرها كما هي على حقيقتها، كي تنحاز بشكل واع إليها، لتتمتع وتستمتع بكل تفاصيلها، فحقيقتنا كما يقول روبرت براوننغ: «هي ضمن أنفسنا، لا تأتي من الأشياء الخارجية حولنا»، حينها لن تفشل أبدا في عدم التمحور حولها.
فإن لم تتمكن من تقبلها ومجابهتها، فهذا يعني أنك شخص صادق نعم، لكنك صادق فقط في كذبك، لذلك لا تدفن روحك من تلقاء نفسك، لا تقلل من شخصيتك وتنقص من قدرك، ومن ثم تأتي لتتأفف وتتذمر لعدم تقدير واحترام الناس لك، وانت أول من لم يحترمها ويقدرها! فاللوم ليس عليهم بل عليك، لأنك ركنتها جانبا ونسيتها، في حال يفترض منك بألا تستخف بكيانك وبها.
كما يجب عليك أيضا في المقابل أن تعزز بقدر المستطاع ثقتك بنفسك، ولا تلتفت لرأي الآخرين خلفك، كي لا يتمادوا فينسوا أنفسهم، ويتحكموا بك، ويملوا عليك، وإن ألزمتك الظروف في يوم من الأيام، بأن تتخذ موقفا ما، أو تختار قرارا يترتب عليه تغيير جذري في مجرى حياتك، ضع نصب عينيك أولا، أن تكون أنت وحدك فقط من يتخذه او يختاره، وبقناعة تامة منك، وإياك أن تعطي مجالا لشخص آخر غيرك، ليختار بالنيابة عنك، كي لا تضيع بأسيافه التائهة فيما بعد، فتعيش حياة شاردة قاحلة، حياة بلا نكهة او قيمة.
يقال: «قراءة كتاب لا يتناسب مع قدرتك، معرفتك، ميولك، سرعان ما سيشعرك بالضجر والملل»، فما بالك إذا لو كانت حياة بأكملها تعيشها أنت وفقا لاختيارات غيرك، والتي قد تناسبه هو لكنها لا تناسبك، فتحاول التعايش معها رغم ذلك، معتقدا أنها الأفضل لك، وقد لا تضع في عين الاعتبار، أن نوايا الناس أحيانا قد لا تشبه أشكالهم؟!.
فحينها ستصبح كأداة تبحر في عالم لا يخالج قلبك، عالم خاليا من الراحة والانسجام وجمال اليقين.
عالم ستقضيه أنت ما بين الحيرة والتفكير وشرود الذهن، قد يكون مليئا بأنماط كثيرة نعم، لكنه يفتقر إلى المرونة والوضوح وبالعوائق سيهلكك!.