إن الابتسامة تبذر بذور المحبة في القلوب، وتفتح مغاليق أبوابها، وتذلل الطريق إليها، وتفرش الورود والندى فيما بين قلوب أهل الإيمان، حتى تأتلف وتمتزج بماء المحبة والإخاء.
ولا شك أن أعظم إنسان عمل في استمالة القلوب وآلفها هو النبي صلى الله عليه وسلم، والفضل في ذلك والمنة لله سبحانه، فقد امتن الله على رسوله بنعمة تأليف قلوب أصحابه ومحبتهم له كما قال عز وجل: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ـ الأنفال: 63).
هذه المنة يذكرها الله عز وجل في سياق الامتنان على الرسول صلى الله عليه وسلم، والناظر في حال المصطفى صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وشمائله، يجده في جميع مناحيه نوعا من تأليف القلوب، واستجلاب المحبة، وإدامة المحبة، ومن الألفة بين الناس هي ابتسامة المشاعر الصادقة، والمحبة الخالصة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أثر الابتسامة وأهميتها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» رواه الترمذي. والابتسامة لها أثرها القلبي والنفسي في تقارب القلوب وتآلف النفوس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في شأن النفوس: «لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» رواه مسلم. طلق أي متهلل بالابتسامة ودلائل الفرح والسرور، وهذا أيضا يدل على أن هذه الابتسامة معروف يبذل، وأن هذه الابتسامة ليست شيئا هينا فهي من المعروف اليسير الذي له أثر بإذن الله كبير. إن هذه الابتسامة كأنها نوع من إعلان القبول والرضا بلقاء هذا الذي تبسمت في وجهه وهي إظهار للمحبة والمودة.
وهي دعوة للمزيد فإنك إذا تبسمت في وجهه أقبل عليك وسلم وصافح، وعانق وكان ضيفا عليك، أو دعوته للزيارة، لكن إذا رآك من أول الأمر عابس الوجه قال: الكتاب من عنوانه هذا، كأنك تقول له: لا تتقدم، ولا تأتي، ولا تتكلم، وليس لك عندنا مقام ولا رغبة، ولا أي وجه من وجوه الاستقبال، أو الإحسان. ولذلك ترى دائما بعض الناس إذا كان من طبعه عدم التبسم ودوام التجهم أن الناس ينفرون منه وقل أن تجد له صديقا أو رفيقا فإذا سئل الناس قالوا يا أخي هذا رجل صعب كأنه يقول لك لا تأتي إلي، ولا تتعامل معي لمجرد هذا التجهم، وترك التبسم. ونحن نسأل: كم هو الجهد الذي تبذله والتعب الذي تعانيه لكي تبتسم في وجه أخيك؟!
لا تكلفك الابتسامة مالا تخرجه من جيبك، ولا وقتا تضيعه من وقتك، ولا جهدا ترهق به بدنك.. ابتسامة كما يقال: لا تكلف شيئا، ومع ذلك بعض الناس يبخلون بها، فمن بخل بما لا خسران عليه فيه فهو أشد الناس بخلا ولا شك، ولذلك يقول بعض الذين كتبوا في «علم النفس والمعاملات الإنسانية»: إن الابتسامة لا تكلف شيئا، ولكنها تعود بالخير الكثير، إنها تغني أولئك الذين يأخذون، ولا تفقر أولئك الذين يمنحون. فإذا لم يكن عندك مال تعطيه فأعط من بشاشة وجهك، فهذا الذي ينبغي أن يكون من الإنسان لأخيه المسلم.