جميعنا قرأنا ما تتداوله صفحات التواصل الاجتماعي، من تأجيج للفتن، وتقليل لدور الصلح في الأزمة التي يعيشها الخليج، الكل كأنه منتظر نهاية مأساوية، تتفق مع أفكاره السوداوية، ويعمل لها قدما، وساقا لتصبح واقعا يعيشه الأفراد، ناسين، ومتناسين أوصار العلاقة، والدم، والجيرة، اصبح الكل من الطرفين يسعى لأن يؤجج نار الفتن، ويتفنن في أسلوب الطرح، أصبح الهدف كيف ننتقم، ونرد الصاع صاعين، وغفلنا عن كيف نصل مع بعض لحل يمهد استراتيجية جديدة في الفكر.
أي أزمة تحمل في طياتها عبرة، ومعنى لو غفلنا عنه لانشغلنا بظاهر كل ما يؤذينا، وتفككت علاقاتنا ببعض، وزالت الرحمة من قلوبنا، فلو وضعنا الوضع السياسي تحت المجهر لوجدنا كل خافٍ، تراكم، وكل خلاف لم يحل بالحوار بل بالإصرار على الموقف الذي عادة يذهب الفهم، ويحصره نحو الاسوأ، ويجعل أي إشكال يتفاقم، ليشكل بالنهاية، رأيا غير منطقي، وحلا ليس جذريا.
منذ تصاعدت هذه الأزمة بين الأشقاء، للأسف انقسم الناس مع تيارات مغرضة، تداخلت بيننا، لا تهتم بشأن المنطقة، ولا تبحث عن طاقة نور، بل على العكس تريد للحرب أن تقوم، وذلك ما سيجعلنا أمام مرحلة انتقالية في الظاهر، وليس بالفهم المتراكم، الذي آن له الأوان ان يحرر أي اعتقاد، ويعطي نفسه، والآخر فرصة الجلوس على طاولة حوار، تبحث بوادر السلام، فالعالم في كل الحروب التي خاضها، لم يخرج بأي نتاج سوى تدمير بشري، ونفسي، وتوارث لفكر عنصري، أثر بشكل سلبي في الإنسانية.
نمو أي حل لا بد ان يكون بين أرض تريد الازدهار، وماء يسقيها باستمرار، أما بناء جدار يعزل الثمرة، عن بقية الفروع، فهو ما سيؤدي بنا إلى القحط، والجفاف، وانقطاع موارد الحياة السوية، التي لو أنعشناها لعرفنا أن الدول مهما اختلفت، فلا بد ألا يؤدي اختلافها لخلاف، ومهما انقسمت في الآراء، فلا بد الا يمشي رأي على الآخر، بإقامة جبرية، أو فرض.
وأريد أن أنوه بأن جهود أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، هي ميزان العدل لكل خلاف، والعين التي ترصد لأبعد مما يحدث الآن، والحكمة التي لو التفت إليها جميع القادة، لوجدوا بعد النظر الذي يتحلى به، هو مختصر، ونهاية للشقاق والخصام وبداية حقيقية، لصنع منهجية السلام بين الأوطان.
وأي خبر تتداوله انت اليوم كمواطن خليجي، وتتفاعل معه بوسائل التواصل، وتكون جزءا فعالا من تصاعده، وتشعل فيه برأيك النار بين البلدان، لا بد أن تضع بالحسبان، إنه وسط المعمعة السياسية، سيصبح قاعدة فكرية، ونفسية، للمزيد من العداوة، والتفكك مما يأخذنا لطريق مسدود، ولنار لا تخمدها سوى الحروب، التي رغم ما خلفت من مأساة، للأسف الكل ما زال خلف شاشة المحمول، يظنها لعبة يتشاطر مراحلها الأخيرة مع الآخر، والنتيجة تعادل في الخسارة، وصفر في ربح أي شيء، لأن الإنسانية هي القيمة الأساسية، التي لا بد أن نجعلها أولوية فوق كل شيء.
Dr_ghaziotaibi@