ذهبت لسداد فاتورة الكهرباء، وبعد ان دفعت المبلغ أتى صوت من بعيد لو سمحت وإذا هي الموظفة: آسفين بس ناقص فلس لكي تتم إزالة الإنذار، لم أجد الأمر يستحق ما دام مبلغ وقدره قد دفع فلا بد ألا نقف أمام فلس وفلسين لا بد ان تكون الخدمات أكثر مرونة وتصمما لتتناسب مع خدمة المواطن بشكل مرن وأسرع ومتطور يستطيع أن يستوعب وقت وراحة المواطن، لا أخفيكم لمست من هذا الموقف أمانة ونزاهة وزارة الكهرباء لتطبيقها الأنظمة دون أي تهاون ونشكر لهم ذلك.
فوقفت مستغربا مذهولا أمام هذا الفلس الذي لم نضعه يوما في حسبتنا، وقفت حائرا وأصبحت اسأل نفسي: كيف لمن سرق ملايين ألا يسأله أحد عن الباقي أو يقول له بنفس صوت الموظفة حسابك سارق مليون كيف لا تتم ملاحظته وكيف يتم التغاضي عنه أمام المبلغ الزهيد يقفون شوكة بالبلعوم وعند كل ثمين يطوفون؟! جمع (الفلس) في القلة (أفلس) وفي الكثير (فلوس).
كيف لضعاف النفوس ومن سولت له نفسه الاختلاس من المال العام أن يعيش في سبات ويخلف الكثير من العجز في الميزانية دون أن يقف أحد بوجهه؟ أصبح الدارج أنهب لكن جملا فلن يسألك أحد من أين لك هذا؟ تقول النائبة الفاضلة صفاء الهاشم: راضين بكمية من الفساد لكن أعطوني 60% إنتاج، الفساد آن له أن ينتهي.
وأنا اتفق مع ذلك فنحن لسنا في مدينة فاضلة وإنما سنشهد الكثير من التجاوزات بحكم اختلاف الخبرات لكن لا بد أن نضع أمامنا هدفا واحدا وهو السيطرة على المشكلة أهم بكثير من محاولة إبادتها دون النظر لجذورها المتأصلة التي تحتاج قلعا.
لا بد أن نتفق على أن من يسرق فلسا ومن يسرق مليونا كلاهما حرامي فالمبدأ واحد لا يتجزأ.
لكن الاستتار خلف عباءة المنصب وجعل المسألة فقط لمن ليس له سند، هنا تهتز موازين المحاسبة ليصبح الناهب الأكبر مجهولا أو مستترا لن نعرفه فقط سنكتب خسائر مالية بقيمة كذا.. أموال مختلسة وقدرها كذا.
وستتكرر نفس المشاهد لكن بتغير الأشخاص ويهدر بذلك المال العام دون رصد حقيقي للأسباب والتجاوزات.
البطانة الفاسدة جعلت الحق صوته ضعيف للأسف لم نعد نعرف الحرامي من الشريف، نحتاج لإعادة وضع أسس لتنصيب أي وزير أو مسؤول لندرك كيف تسير الأمور ولا بد أن تكون تحت إشراف مستمر. مشهد للزعيم عادل إمام في فيلم رمضان فوق البركان حين دار هذا الحوار.
رمضان: بلغت البوليس، المدير: بوليس إيه، رمضان: مش قالوا لك إني اختلست، المدير: أنا مضطر أبلغ البوليس، رمضان: ما قلنا كدا من الصبح، الضابط: أنت عاوز تتعبنا، رمضان: انتم إلي بتتعبوا نفسكم أنا اختلست، الضابط: يا شويش حطه في الحجز.
رمضان: ذخرت وبعثت ذخرا للعدالة.
المحاسبة لا بد ان تكون للصغير والكبير على حد سواء لا بد أن تكون حيثيات أي قضية تذكر واضحة للجميع لتكون عظة وعبرة فحين نكتفي بإقالة دون محاسبة كأننا نضع ذلك في زاوية خذ ما تريد وأخلع.
المشاريع التي تقام بالملايين ولم تر النور إلى هذا اليوم أين ذهب تمويلها وإلى أي حساب؟ لماذا لم يتعرض أصحابها للمساءلة وهل نكتفي بقول أحدهم بعد عشر سنين يكون المشروع جاهزا؟ إذا كان التمويل جاهزا لماذا هذه المدة الزمنية الطويلة؟ كلما التوينا على وجعنا لن نعرف العلاج وكلما سكت هذا وسكت ذاك لن ندرك من الحرامي من الحامي فالكبير حين يسرق المليارات يسلط الضوء على الصغير الذي سرق مائة دينار لكن هو لا يوضح بالصورة لأنه فوق مستوى الشبهات!
شكرا للموظفة في وزارة الكهرباء لأمانتها ودقتها في العمل وانتباهها اليقظ. شكرا للفلس الذي جعلني أعرف قيمته وأرى أبعد من بساطته وأروي لكم قصته.
@Dr_ghaziotaibi