في مشهد عظيم للفنان الراحل نور الشريف بمسلسل لن أعيش في جلباب أبي للكاتب الكبير إحسان عبد القدوس حين واجه ابنه المتردد والمتمرد عبدالوهاب وسأله ماذا تريد؟ لماذا لا تعمل شيئا؟
فكان رده المتذبذب: أنا مش عارف عاوز إيه.
فتسلسلت الأحداث حول صراع الابن مع صورة نجاح أبيه ورغبته في أن يكون مختلفاً عنه جعل ذلك طريقة التواصل دوما تنتهي بالخلاف.
وعلى الرغم من أن الأب كان همه أن يرى ابنه ناجحا وكان يعطيه حق القرار وحرية الاختيار، لكنه كان يرى في نجاح والده من الصفر صراعا.
والده كان يمتلك ذكاء اجتماعيا نماه بالتعلم وخوض التجارب والابن كان ينتظر أن يعرف ماذا يريد حتى يحقق لنفسه شيئا رغم انه لم يقدم على شيء فكان اللاقرار يحكمه والملل وعدم تحمل المسؤولية يرأسان قراراته المصيرية.
وهذا يأخذنا لمفارقة مهمة وهي رؤية الإنسان نفسه خارج الإطار الذي رسم له.
لماذا نشعر بالتردد ان كنا في تجارب تجعلنا كل يوم نعرف ونصقل رغبتنا في نطاقها الصحيح؟
الهدف لم يكن يوما فقط تسديد بل محاولات كثيرة لنجد الطريقة التي نحدد فيها ماذا نريد.
صناعة الأهداف حرفة غاب عنها الكثير من شبابنا اليوم فحين يكون لديك هدف يحكي عنك أسسه موجودة فيك وشغفك ينمو كلما اقتربت إليه هذا هو النجاح بعينه.
أهداف الديلفري لم تعد تحرك الدافع الحقيقي في شبابنا مما يفسر رتابة الجهود وعدم التميز فيها.
البعض سار على أهداف كتبت له جاهزة: ادرس، اتخرج، احصل على وظيفة، هذا بالنسبة إليه نهاية المطاف وماذا عن هدفك خارج سور الروتين؟
التفكير خارج منطقة الراحة أمر مهم ومفيد لتحريك القوى الراكدة وتحويلها ليد عاملة. وفيه تعزيز لفكرة الإبداع وتنوع النشاط وهذا ما نحتاج إليه الآن لتتسع لدينا الخيارات.
استثمار الإنسان لنفسه وأفكاره في حقل عمله الخاص يعزز من المكاسب المادية والمعنوية على حد سواء فالتجدد والمثابرة والخروج من إطار الأمان الوظيفي تجعلنا بعد سن التقاعد لدينا ما نفعله، خياراتنا كثيرة وقوتنا ليس لها أي تقاعد لأننا حركناها طوال السنوات.
لابد ان نغرس ذلك في نفوس الشباب ليكون لديهم خارطة طريق لأنفسهم ويعيدوا اكتشافها في مضمار عملي كمشاريع واختراعات.
حين تزيد القوى العاملة ستكون هناك قوى لامعة في سماء الموارد البشرية وازدهار سوق المال.
الأهداف خارج أوقات الدوام تجعل أقدامنا على الأرض وأفكارنا في السماء تحلق حول ناطحات الإبداع.
من ليس له هدف ليس له أي حماس يكسر فيه رتم الحياة ويجدد فيه قواه.
لابد أن نكسر الطابع التقليدي ونحث أبناءنا على أن يخوضوا تجربة عمل يجدون فيها هوايتهم تكون فرصة للتواصل الصحي مع الذات واستثمار الطاقات.
الأمان الذاتي أهم من الوظيفي، فحين توظف ذاتك فيما تريد يتجلى أمامك أسباب تؤهلك لأن تكون في مكان مسؤول مسيطر على الأمور غير معتمد سوى على ذاتك وغير مطلع إلا لإنجازك.
العمل الحر فرصة لمعرفة ماذا تريد واختصار سنوات من التصادم مع نفسك ومن حولك.
فك قيد الإلزام واسع دوما إلى الالتزام وتحدى نفسك فذلك له طعم الانتصار وتأثير انكشاف الغمام عن الذات.
Twitter @Dr_ghaziotaibi