من قصص الأولين تعلمنا كيف يكون لنا حكمة وطريق وكيف نحتذي بتجارب السابقين ونجعلها أساسا وقواعد نسير عليها، لكن هل سألنا أنفسنا في يوم هل ما توارثناه صالح لكل زمان ومكان هل تحديات آبائنا وأجدادنا كانت كافية لكي نحكم على أنفسنا بالفشل أو نحكم على شيء انه مستحيل وعيب؟
من أين أتينا بالعادات والتقاليد وأنا أخص هنا تلك التي تؤطر العيب وتجعله أمرا منزلا دون نقاش أو تتضمن لائحة من الممنوعات لمجرد أننا توارثنا ذلك العرف عن الأجداد.
يبدو أن الخوض في هذه المسألة سيخلق جدلا بيننا وبين أنفسنا كبيرا ولكننا سنكسر حاجز الصمت، وهذا سيجعل المياه الراكدة تتحرك وينبثق من جديد ينبوع ماء نقي وصافٍ.
يحدد لنا نسيجا من السلوكيات التي تعبر عنا وتعبر بنا لضفة أكثر أمانا واستقرارا.
أحد التساؤلات التي كانت تأتيني دوما هو: ليش أهلي يحددون طريقي ويحكمون على خياراتي بالفشل المسبق؟ ليش ما يبوني أجرب وأتعلم من كيسي؟ والجواب هو اننا نفعل دون ان نفهم لمجرد ان هذا طلب منا من قبل والدينا فلا نناقش أو نجعل الحوار يأخذنا معهم ولو لمرة لما نراه نحن.
ويبدو ان مع التكرار تعودنا على ان ما قيل لنا هو الصحيح والأولاد لا يعرفون مصلحتهم مع أنه في كثير من الأحيان تجد الولد أو البنت أنضج من الأبوين ويتمتعان بحكمة كبيرة.
مساحة النقاش تطول يبدو أنه لا بد من ان نضع النقاط على الحروف ونذكر أنفسنا قبل الغير انه مهما سمعت عن تجارب فلن تعرف حتى تعيش التجربة ذاتها، ومن كثر ما نقول سمعنا وسمعنا أصبح ما يقال على مسامعنا كأنه كلام منزل لا يجوز النقاش أو التفكير فيه.
هل غابت عن الإنسان حرية الاختيار التي جعل الله لها أهمية كبيرة في كتابه الكريم: (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا).
لا بد ان نعرف ونعرف أبناءنا انه لا توجد قاعدة ثابتة فهذا يعاكس سنن الحياة والتغيير والمتغير يأخذ من كل حقل معارفه فيزرع ما يناسبه في بيئته وبذلك يتجدد الثمر الصالح لنا قبل غيرنا.
سمعت كثيرا رفضا مستميتا من أحدهم تجاه رغبة ابنه سواء في دراسة أو مشروع أو زواج وكلمة مو من مواخيذنا أو ثوبنا ومن هذه الكلمات التي تغلق النقاش بقمع حرية الاختيار، والغريب انه لو وقف عندها الإنسان لوجد انها مجرد عرف كررناه حتى أصبح جزءا منا لكن لن ينفعنا بل سيزيد في محدودية التفكير وسنناقض أنفسنا فيه.
افتحوا المجال واجعلوا كل شخص يختار دون مرجعية مسبقة للأعراف وأنا أتحدث عن الخيارات الشخصية التي لا تؤذي أحدا أو تنفعه سوى الشخص نفسه.
لا تضيقوا الحصار على أبنائكم اجعلوا من تجربتهم جزءا لصنع القرار في حياتهم. لا تتوارثوا معتقدا قديما ليس له أي تفسير سوى انه استمر لسنين، اجعلوا العلم يقضي على الجهل ولا تسمحوا للتعصب بأن ينال منكم، فالإنسان الحي لا تبنيه سنون مضت. لأن الحياة لم تتراجع في يوم للوراء بل تتقدم يوما بعد يوم فلن تجد الأمس يشبه اليوم بل يتجدد وينفرد بمعطياته وظروفه.
«اتباع التقاليد لا يعني أن الأموات أحياء بل ان الأحياء أموات».
Twitter @Dr_ghaziotaibi