الإنجاز يولد من رحم الأزمات، والعزلة قد تقود إلى الإبداع، هذا ما أظهرته لنا أزمة فيروس كورونا منذ ظهورها في الكويت أواخر شهر فبراير الماضي، وجدنا تحولا كبيرا في مسار حياتنا اليومية نحو الجانب التكنولوجي والإلكتروني، وعلى الرغم من أن هذا الجانب لم يكن غائبا في الكويت قبل الأزمة، إلا أننا اكتشفنا خلال الأزمة مدى استعداد الدولة بكل أجهزتها وأيضا شعبها للتحول نحو الرقمنة.
بين ليلة وضحاها، وجدنا أنفسنا أمام أمر واقع علينا التعامل معه، وأصبحنا قادرين على إنجاز أكثر من 50% من معاملات الوزارات والهيئات الحكومية إلكترونيا، ونجحنا في تحويل وجهتنا إلى العالم الرقمي، بل وتم تطوير الخدمات المقدمة في عدة جهات أكثر من مرة، وفي فترة وجيزة جدا، وهذا أمر أجزم بأن الكثير من أبناء الكويت كان لديهم شك في تحقيقه.
هذه الأزمة أظهرت لنا معدننا المتميز، أخرجت إلى النور أفكارا مبدعة من أبناء وبنات هذا الوطن، تبلورت وتحولت إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع، أحيينا مجددا معاني التضحية والإخلاص للوطن بمختلف الصور، برزت الرغبة الحقيقية في الإبداع والابتكار للمساهمة في تجاوز هذه الأزمة.
كل هذه التحولات - غير المتوقعة لدى الكثيرين من أبناء هذا الوطن، تحتم علينا الوقوف والتأني عندها، تحتم علينا أن نضعها في صدر أولوياتنا عقب انكشاف هذه الغمة عن كويتنا الحبيبة والعالم أجمع في القريب العاجل إن شاء الله، لأننا عرفنا حقا مدى حاجتنا إليها، ومدى أهميتها في المستقبل، باعتبارها البديل الأمثل للنظام التقليدي المعتمد على الحضور إلى الوزارات والدورة المستندية غير المجدية.
حكومتنا مشكورة (ما قصرت) منذ بداية الأزمة، ولكن كما يعلم الجميع، العالم بعد «كورونا» لن يكون مثلما كان قبله، وعلى مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، الأمور ستتغير، الحسابات ستختلف، الأولويات ستتحول، والموازين ستتبدل، لذلك علينا أن نكون مستعدين لهذه التغيرات بالشكل السليم، وأولى خطوات هذا الاستعداد هي العمل على التحول شبه الكلي نحو التكنولوجيا وإنجاز المعاملات إلكترونيا، توفيرا للجهد والوقت وتقنينا للكثير من الأموال.
ختاما، علينا أن نستبق الأحداث بخطوة، فبدلا من أن نبدأ في التحرك بعد الأزمة نحو دراسة كيفية التحول الكلي نحو التكنولوجيا ونستغرق وقتا في تحقيق ذلك، علينا أن نبدأ من الآن ونختصر الوقت، وحينما تنتهي الأزمة نبدأ في التطبيق مباشرة، فالمكاسب التي حققناها في الجانب التكنولوجي في هذه الأزمة، فرصة ثمينة، علينا أن نعض عليها بالنواجذ.
[email protected]